الهوية والانتماء والإنجازات السعودية

مشاركة الصفحة

​​

أ. د. علي بن فايز الجحني

وكيل جامعة الأمير نايف العربية سابقًا​

 

إنّ الهوية والانتماء الوطني مشاعر وأحاسيس، وسلوكيات وفطرة مفطور عليها بني الإنسان، إذ لا يمكن أن يتقدم أي مجتمع من المجتمعات إلا إذا كان أبناؤه معمورة قلوبهم بهويتهم، وبانتمائهم الوطني. والهوية في مجملها هي السمات والخصائص التي تميز الأشخاص والجماعات بما فيها من احتياجات نفسية ذاتية واجتماعية وقيمية تجسد حياتهم في الحياة وبما يصون الضرورات والمقاصد. وبمعنى آخر، فإن الثوابت، واللغة، ومنظومة الأخلاق والعادات والتقاليد، والتراث، والتربية تشكل العمود الفقري للهوية التي تميّز أي أمة، أو أي مجتمع عن غيره، وتشكل في المحصلة النهائية نمط حياة ذلك المجتمع وشخصيته.

والهوية والانتماء تتشكلان داخل الأسرة أصلًا وعبر الانساق ومنصات التوجيه والتأثير المجتمعية المتعددة، ولو تتبعنا ما حل بالكثير من الدول البعيدة والقريبة من التناحر والشتات والفرقة في أوطانهم لوجدنا قصصًا مأساوية ومؤلمة بسبب الابتعاد عن ثوابتهم وانتمائهم. ولأهمية الهوية، فقد أشارت رؤية المملكة (2030) في الهدف الاستراتيجي إلى: تعزيز الهوية الوطنية من خلال الآتي:

ــ غرس المبادئ والقيم الوطنية وتعزيز الانتماء الوطني.

ــ المحافظة على تراث المملكة الإسلامي والعربي والوطني والتعريف به.

ــ العناية باللغة العربية وآدابها.

والهوية والانتماء يحتاجان إلى مجهودات ومبادرات ومشروعات تنطلق من ثوابت دينية وفكرية وإعلامية وأخلاقية بغية تأصيلهما في النشء وعبر مراحل ومحطات،

والعلاقة بين الهوية والانتماء علاقة عضوية متلازمة، في ظل الوحدة الوطنية التي هي بحمد الله راسخة ومتجذرة في أعماق أبناء المملكة العربية السعودية التي لم تكن لتأتي، إلا بتوفيق الله ثم جهاد وجهود المؤسس الملك عبدالعزيز ــ طيب الله ثراه ــ، حيث وحّد أجزاء الوطن، وأعاد الناس إلى رشدهم، وحمى البلاد والعباد من كل الشرور والآفات والفتن التي كانت ضاربة بأطنابها في كل تضاريس وأنحاء البلاد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، والأخذ على يد كل من تسوّل له نفسه زعزعة الأمن والاستقرار، ولا أدل على ذلك من قوله طيب الله ثراه: «إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون، لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة، وإني أحذر الجميع من نزغات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار، فإني لا أراعي في هذا الباب صغيرًا ولا كبيرًا، وليحذر كل إنسان أن تكون العبرة فيه لغيره». (مجلة الدارة، 1 ، 2-26 - لعام 1421).

إنّ التاريخ الاجتماعي والسياسي والوثائق تتحدث عن الصعوبات الشديدة، والظروف العصيبة القاسية التي واجهت المؤسس إبّان التأسيس، ومنها: التهديدات الداخلية والخارجية، وسعة الرقعة الجغرافية للمملكة، وانعدام وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة، وقلّة ذات اليد، وتجذر الانقسامات المناطقية، والصراعات والحروب القبلية، والسلب والنهب، والجهل والفقر، وانعدام الأمن على جميع المستويات.

وعليه، فإنه يتعين الاستمرار في تعزيز المحافظة على ما تحقق من الإنجازات بالبر الوطني، والعمل المتواصل الدؤوب المخلص مصطحبين في المسيرة المزيد من تعزيز الهوية والانتماء، مع التذكير المستمر بالمكاسب والإنجازات في هذا العهد الزاهر الذي أصبحت فيه المملكة ــ والله الحمد ــ إحدى واجهات العالم المهمة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا ورياضيًا، لدرجة أنه كلما استعصى أمر من الأمور عالميًا تكون الرياض هي المكان المناسب لاحتوائه، وعلى الصعيد الداخلي تحوّلت الطموحات والأمنيات إلى واقع ملموس مما يدعو إلى بذل المزيد فيما يتعلق بتعزيز الهوية والانتماء في إطار لأمن الفكري، وذلك من خلال :

ــ التربية والتعليم ووسائل التوجيه والتأثير.

ــ الرد على ما يصدر من شبهات ودعايات وإشاعات مغرضة.

ــ الاستمرار في تعزيز دور الأسرة في حماية أبنائها من الانحرافات الفكرية.

ــ التركيز على الأبحاث ومراكز الدراسات للتصدي للظواهر السلبية في المجتمع.

والحق أنّ شبابنا السعودي مستهدفون، مما يستوجب تحصينهم من الأفكار التي تمارسها الجماعات والأحزاب والتيارات الضالة والهدامة، وهي كثيرة، خاصة وأنّ فترة المراهقة التي يمر بها الشباب تعدّ من أهم وأخطر المراحل العمرية وأشدها تأثيرًا في حياتهم، فالتحصين الذاتي يبدأ من خلال المنزل أولاً، ومن ثم المدرسة وما يلحق بذلك حتى لا يكون ضحايا للتحول والاستقطاب والتأثر والانقياد السلبي نحو الأفكار المنحرفة، والمبادئ الهدامة التي تتنافى مع الإسلام والإنسانية، وكل الأعراف.

ولابد أن يواكب ذلك قيام المختصين بتعرية الفكر الضال، وكشف جرائم الإرهابيين وممارساتهم الشنيعة، وفي الوقت نفسه الدعوة للوسطية والتركيز على فئة الشباب، لأنهم هم الفئة المستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية، على أن تسهم وسائل الإعلام المختلفة بطرح البرامج الهادفة، ولا تقتصر التوعية على النشء فحسب، بل أن تمتد إلى أولياء الأمور والمربين، وتوجههم نحو أصول التربية السليمة التي تسهم في تحصين الشباب من الجنسين ضد كل ما يثار حولهم من أفكار متطرفة.

وعودًا على بدء، وبنظرة سريعة على أهم الإنجازات التي لا يمكن حصرها، نشير إلى بعضها:

ــ في الجانب الاقتصادي تم تدشين العديد من المشاريع والمبادرات والبرامج الإصلاحية التي تدعم الاقتصاد السعودي، وتقلل من الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل، مع الاستمرار في سياسة الحد من المعوقات في بيئة الاستثمار، وتحقيق تقدمًا هائلًا في مؤشرات التنمية المستدامة الصادرة عن الأمم المتحدة وغيرها من المجلات.

ــ السماح للمرأة بقيادة السيارة ومشاركتها القوية في كل مفاصل التنمية.

ــ بناء المدن وتدشين المطارات والهيئات، وتطوير التعليم، ومشاريع رعاية المواهب والإبداع، والأساليب الإدارية المتقدمة، والأخذ بالحوكمة، والجودة والمحاسبة، وقياس الأداء، والتصدي للفساد بشتى صوره وبقوة.

وها هي الإنجازات الخارجية التي لا تقل أهمية عن الإنجازات الداخلية، حيث ظهرت المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية يحسب لها حساب في مجريات الأحداث في الشرق الأوسط، بل وفي العالم كله، وقد أثبتت قدرتها على القيادة والرعاية من خلال رعاية (3) قمم متتالية، وهي من أهم القمم على مستوى العالم: قمة سعودية أمريكية، قمة خليجية أمريكية، قمة عربية إسلامية أمريكية، مع الاستمرار في سياستها الحكيمة الثابتة في إقامة علاقات متوازنة، واستشعار دورها الإنساني، ومكافحة التطرف، ومواصلة رفضها القاطع أن يسئ كائن من كان للإسلام تحت أي ذريعة.

وكان الأمن من أولويات القيادة حيث تتمتع المملكة بالأمن الذي لا نظير له، حتى أصبح حديث القاصي والداني، وتصدرت المملكة الدول العشرين الأكثر أمانًا، وتفوقت على الدول الخمس الكبرى في مؤشر شعور السكان بالأمان، ومؤشر ضبط الجريمة.

ــ وكانت جائحة كورونا علامة فارقة في النجاح والتفوق في التصدي لهذا الوباء، وتقديم سلامة الإنسان مواطنًا ومقيمًا على حد سواء، ولا غرو فقد تصدرت على مستوى العالم الدول المانحة في تقديم المساعدات وبالمليارات من الدولارات.

ــ وفي تقرير عن رؤية المملكة 2030م لعام 2023م فإنه قد تضاعف إجمالي الأصول المدارة من قبل صندوق الاستثمارات العامة بأكثر من ثلاث مرات منذ انطلاقة الرؤية إلى (2.81) تريليون ريال بنهاية 2023م.

ومنذ أيام احتفى السعوديون بالذكرى السابعة لبيعة القائد الملهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ــ يحفظه الله ــ بولاية العهد في وقت شهدت المملكة تحولات متسارعة، وقفزات عملاقة تصب في بناء السعودية العظمى: دولة المستقبل إنسانًا وأرضًا وفكرًا وثقافة في إطار الثوابت وضمن رؤى (2030) التي عرّابها القائد الاستثنائي سمو ولي العهد ــ يحفظه الله ــ، ومن خلفه شعب طموح يؤمن برؤيته.

 لينعم الوطن والمواطن السعودي بهويته وانتمائه وإنجازاته، وبالعطاء، والتلاحم، في ظل قيادته التي ترعاه وتسهر على مصالحه، وها هو المجد يسطر، والشعب السعودي ينافس ويتقدم، ويعيش أفراحه الوطنية، ومنها الذكرى السابعة للبيعة بولاية العهد لقائد الرؤية وعرابها، قائد المبادرات والتجديد، والإصلاح، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ــ يحفظه الله ــ، الذي يقود مسيرة التنمية والبناء بصلابة نظام، وإرادة سياسية، وطموحات ليس لها نهاية على مختلف الصعد الداخلية والخارجية، مستلهمًا في كل أعماله توجيهات قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين ــ أيده الله ــ.​