الإعلام في الحروب والأزمات!

​​

د‭. ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬حسن‭ ‬الشهري

كاتب‭ ‬وباحث‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية

رئيس‭ ‬منتدى‭ ‬الخبرة‭ ‬السعودي‭ ‬للبحوث‭ ‬والدراسات

بما‭ ‬أنّ‭ ‬الإعلام‭ ‬هو‭ ‬الإخبار،‭ ‬فبدايته‭ ‬كممارسة‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭: ‬إن‭ ‬الإعلام‭ ‬ظل‭ ‬حاضرًا‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬أفراحه‭ ‬وأتراحه‭ ‬وحروبه‭ ‬وأزماته‭!‬

وهذا‭ ‬يعطي‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭! ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نقل‭ ‬الأخبار‭ ‬وتحليل‭ ‬الأحداث،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬انطبع‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬بطابع‭ ‬كل‭ ‬جيل‭ ‬وأدواته‭ ‬وتقنياته‭ ‬ووسائله‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬وظائفه‭ ‬المعروفة‭. ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الاستقصاء‭ ‬التطوري‭ ‬التاريخي‭ ‬للإعلام‭ ‬اجتزئ‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬خلال‭ ‬الحروب‭ ‬والأزمات‭. ‬

فمنذ‭ ‬بداية‭ ‬بثّ‭ ‬الراديو‭ ‬عام‭ ‬1920م‭ ‬كأول‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلامية‭ ‬حديثة‭ ‬كانت‭ ‬مساهمته‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الغزو‭ ‬الألماني‭ ‬لأوروبا‭ ‬بدءًا‭ ‬ببولندا،‭ ‬حيث‭ ‬استطاع‭ ‬الإعلام‭ ‬الحربي‭ ‬الألماني‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬نظام‭ ‬الدعاية‭ ‬التي‭ ‬خطط‭ ‬لها‭ ‬ببراعة‭ ‬وزير‭ ‬الدعاية‭ ‬الألماني‭ (‬جوبلز‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬استخدم‭ ‬نظرية‭ (‬بول‭ ‬ايرليش‭ ‬1907م‭) ‬الرصاصة‭ ‬السحرية‭ ‬لإقناع‭ ‬الجماهير‭ ‬وتوجيههم‭ ‬لا‭ ‬شعوريًا‭ ‬للحروب‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الدعاية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدها‭ ‬هتلر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحروب،‭ ‬وهذا‭ ‬يعطي‭ ‬الدور‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬شكله‭ ‬الإعلام‭ ‬ووسائله‭ ‬في‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬صاحب‭ ‬نظرية‭ ‬الرصاصة‭ ‬بالاعتقاد‭ ‬بالقدرة‭ ‬الخارقة‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الجمهور‭ ‬ومواقفه‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬جماهيري،‭ ‬وهذا‭ ‬يعطي‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الانتصارات‭ ‬الحقيقية‭ ‬أو‭ ‬الوهمية،‭ ‬وقد‭ ‬اتضح‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ (‬حرب‭ ‬67‭) ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬الإعلام‭ ‬المصري‭ ‬يبرز‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الانتصارات‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تعطي‭ ‬نشوة‭ ‬بالنصر‭ ‬الوهمي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬يتضح‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬دعاية‭ ‬سياسية‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬تغطية‭ ‬الهزيمة،‭ ‬ومثله‭ ‬الإعلام‭ ‬العراقي‭ ‬الذي‭ ‬ظلّ‭ ‬يستخدم‭ ‬الدعاية‭ ‬السياسية‭ ‬الكاذبة‭ ‬بالنصر،‭ ‬وظلّ‭ ‬ينشر‭ ‬هذه‭ ‬الدعاية‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬شارع‭ ‬الرشيد‭ ‬وسط‭ ‬بغداد‭. ‬

والملاحظ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لتغطية‭ ‬الحروب‭ ‬لا‭ ‬يتسم‭ ‬بالآنية‭ ‬والمزامنة‭ ‬لواقع‭ ‬الميدان،‭ ‬فالراديو‭ ‬والتلفاز‭ ‬والصحافة‭ ‬ينقصها‭ ‬البثّ‭ ‬المباشر‭ ‬من‭ ‬الميدان،‭ ‬ولذا‭ ‬يسهل‭ ‬تزييف‭ ‬الحقائق‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ (‬حارس‭ ‬البوابة‭) ‬المحرر‭ ‬لهذه‭ ‬الوسائل،‭ ‬وتنسحب‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬منها‭: ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬يوغسلافيا‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬التغطيات‭ ‬الإعلامية‭ ‬لها‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬الجهات‭ ‬المرسلة‭ ‬لهذه‭ ‬الأخبار‭. ‬وقد‭ ‬تطور‭ ‬أسلوب‭ ‬الدعاية‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬المفكر‭ (‬أفرام‭ ‬نعوم‭ ‬تشومسكي‭) ‬في‭ ‬كتابه‭: (‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭): ‬إن‭ ‬أول‭ ‬عملية‭ ‬دعائية‭ ‬حكومية‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ (‬وودر‭ ‬ويلسون‭ ‬1916م‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يرغب‭ ‬دخول‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬واعتمد‭ ‬في‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬شعار‭: (‬سلام‭ ‬بدون‭ ‬نصر‭) ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬الحرب‭ ‬قامت‭ ‬إدارته‭ ‬بإنشاء‭ ‬لجنة‭ ‬للدعاية‭ ‬الحكومية‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ (‬لجنة‭ ‬كريل‭) ‬مهمتها‭ ‬توجيه‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬السلم‭ ‬إلى‭ ‬حال‭ ‬الحرب،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬التجييش‭ ‬وإثارة‭ ‬هيستيريا‭ ‬ضد‭ ‬الرعب‭ ‬الشيوعي‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬النقلة‭ ‬النوعية‭ ‬للإعلام‭ ‬الحربي‭ ‬بدأ‭ ‬عام‭ ‬1990م‭ ‬إبان‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى‭ ‬وانطلاق‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬النقل‭ ‬الفضائي‭ ‬عبر‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية،‭ ‬ويتوفر‭ ‬لها‭ ‬البث‭ ‬الحي‭ ‬المباشر‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬خلاف‭ ‬البث‭ ‬السابق‭ ‬عبر‭ ‬الكابل‭. ‬ففي‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬انطلقت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفضائيات،‭ ‬وأصبح‭ ‬المراسل‭ ‬الحربي‭ ‬حاضرًا‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬مصحوبًا‭ ‬بالكاميرا‭ ‬التي‭ ‬تغطي‭ ‬بالصورة‭ ‬الحية‭ ‬لمجريات‭ ‬المعركة،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬نشاهد‭ ‬عبر‭ ‬الشاشات‭ ‬عملية‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬والطائرات،‭ ‬وهي‭ ‬تقلع‭ ‬متجهة‭ ‬لضرب‭ ‬أهدافها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحروب‭ ‬البرية‭ ‬أثناء‭ ‬تقدم‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬على‭ ‬الجبهات‭ ‬ومشاهدة‭ ‬الجنود‭ ‬أثناء‭ ‬الاشتباك‭ ‬والتقدم‭ ‬من‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية،‭ ‬وهذا‭ ‬عزّز‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬رأي‭ ‬جماهيري‭ ‬يمكن‭ ‬توجيهه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوة‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ومن‭ ‬يملكها‭ ‬ويديرها‭ ‬ويستطيع‭ ‬حشد‭ ‬قدرات‭ ‬دعائية‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطط‭ ‬مدروسة‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬صناعة‭ ‬النصر‭ ‬قبل‭ ‬حدوثه‭ ‬وإبراز‭ ‬الهزيمة‭ ‬قبل‭ ‬وقوعها،‭ ‬وقد‭ ‬اتضح‭ ‬ذلك‭ ‬جليًا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يحشد‭ ‬ويؤجج‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬العراقي،‭ ‬ويعظم‭ ‬خطره‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬وامتلاكه‭ ‬لأسلحة‭ ‬دمار‭ ‬شامل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدمر‭ ‬المنطقة‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬وتدميره‭ ‬أمرًا‭ ‬مشروعًا‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬الخطر‭ ‬المزعوم‭!!‬

الصورة‭ ‬ذاتها‭ ‬تتكرر‭ ‬ولكن‭ ‬برؤية‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية؛‭ ‬فمع‭ ‬تحرك‭ ‬أول‭ ‬دبابة‭ ‬روسية‭ ‬نحو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فرضت‭ ‬روسيا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬قيودًا‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لإدراكهم‭ ‬بأهمية‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬حيث‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬بالديموقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬حجب‭ ‬ومنع‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬البث‭ ‬عبر‭ ‬منصاتها‭ ‬وإقفال‭ ‬وطرد‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬وهذا‭ ‬بهدف‭ ‬التحكم‭ ‬بالرواية‭ ‬الإعلامية‭ ‬المراد‭ ‬إرسالها،‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬القنوات‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬حظرها‭ ‬قناة‭: (‬روسيا‭ ‬اليوم‭)‬،‭ (‬وسبتنويك‭) ‬الروسيتين‭ ‬ومنعهما‭ ‬من‭ ‬البث‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وأمريكا،‭ ‬وإغلاق‭ ‬مكاتب‭ ‬القناتين‭ ‬بحجة‭ ‬نشرهما‭ ‬معلومات‭ ‬مضللة،‭ ‬وامتد‭ ‬هذا‭ ‬الإغلاق‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬الإنترنت‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬مثل‭: ‬تويتر‭ ‬ويوتيوب‭ ‬والانستجرام،‭ ‬ووصل‭ ‬هذا‭ ‬الحظر‭ ‬إلى‭ ‬الطلب‭ ‬من‭ ‬غوغل‭ ‬حجب‭ ‬أسماء‭ ‬الوسائل‭ ‬الروسية‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬عند‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬محرك‭ ‬غوغل‭. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬حجب‭ ‬أخبار‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬نتيجة‭ ‬وجود‭ ‬صحافة‭ ‬المواطن‭ ‬التي‭ ‬تنقل‭ ‬الحدث‭ ‬في‭ ‬آنه‭ ‬وساعته،‭ ‬كذلك‭ ‬وجود‭ ‬المراسلين‭ ‬الحربيين‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬يغطون‭ ‬الاحداث‭ ‬في‭ ‬أوانها‭. ‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬يمكن‭ ‬للمشاهد‭ ‬الذي‭ ‬تعوّد‭ ‬على‭ ‬مشاهدة‭ ‬الدراما‭ ‬والأفلام‭ ‬أو‭ ‬الأخبار‭ ‬المعلبة‭ ‬مسبقًا‭ ‬أصبح‭ ‬يشاهد‭ ‬الصواريخ‭ ‬تحلق‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬ويشاهد‭ ‬الطائرات‭ ‬الحربية‭ ‬والمسيرة‭ ‬وهي‭ ‬تلقي‭ ‬بحمولتها‭ ‬على‭ ‬الأهداف،‭ ‬ثم‭ ‬يتابع‭ ‬النتائج‭ ‬لمشاهدة‭ ‬آثار‭ ‬الدمار‭ ‬والدخول‭ ‬للبيوت‭ ‬المدمرة‭ ‬والدخول‭ ‬للغرف‭ ‬والملاجئ‭ ‬لتوثيق‭ ‬أدق‭ ‬التفاصيل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أصبح‭ ‬الإعلام‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يدير‭ ‬المعارك‭ ‬ويوجه‭ ‬رأي‭ ‬المشاهد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬إبرازها‭ ‬للجمهور‭ ‬عبر‭ ‬نظريات‭ ‬تدفق‭ ‬المعلومات‭ ‬والإطار‭ ‬لوضع‭ ‬المشاهد‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬المراد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرسالة‭ ‬الإعلامية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬أصبح‭ ‬حاضرًا‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬وإبراز‭ ‬المشاهد‭ ‬الدرامية‭ ‬للمصابين‭ ‬والمهجرين‭ ‬وهم‭ ‬يحملون‭ ‬حقائبهم‭ ‬مغادرين‭ ‬منازلهم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يبرز‭ ‬الإعلام‭ ‬الآخر‭ ‬ما‭ ‬أحدثته‭ ‬صواريخ‭ ‬الخصم‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬وتشريد‭ ‬الأسر‭ ‬لمحاولة‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬شيطنة‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬وهذا‭ ‬واقع‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬رؤية‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬معرفة‭ ‬فلسفة‭ ‬الإعلام‭ ‬ووسائله‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬حروب‭ (‬Online‭) ‬مباشرة‭.‬

كذلك‭ ‬رأينا‭ ‬الإعلام‭ ‬حاضرًا‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬وليبيا‭ ‬لينقل‭ ‬الصور‭ ‬الحية‭ ‬المباشرة‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬الميدان،‭ ‬وليصبح‭ ‬ذلك‭ ‬المراسل‭ ‬بكاميرته‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يختار‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬نشاهده‭ ‬وفق‭ ‬نظرية‭ ‬‮«‬الأجندة‮»‬‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬نشرة‭ ‬الأخبار‭ ‬حتى‭ ‬تأخذنا‭ ‬الكاميرات‭ ‬إلى‭ ‬التفجيرات‭ ‬والصواريخ‭ ‬والدبابات‭ ‬والحرائق‭ ‬وعربات‭ ‬الإسعاف‭ ‬وهي‭ ‬تنقل‭ ‬الجرحى،‭ ‬وهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬أوجد‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الاعتياد‭ ‬لدى‭ ‬المشاهد،‭ ‬وهذا‭ ‬سيوجد‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬اللامبالاة‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬وقد‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬‮«‬أفلمة‮»‬‭ ‬المشاهد،‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي‭ ‬عنيف‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬ظل‭ ‬الغرب‭ ‬يسوقها‭ ‬لتقديم‭ ‬بطولات‭ ‬مزيفة‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬ملئ‭ ‬بالموت‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الكوارث‭ ‬والأزمات‭ ‬الطبيعية،‭ ‬مثل‭: ‬الزلازل‭ ‬والفيضانات‭ ‬والعواصف‭ ‬العاتية‭ ‬وما‭ ‬تخلقه‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬وموت‭ ‬وشتات،‭ ‬فإن‭ ‬الإعلام‭ ‬أصبح‭ ‬حاضرًا‭ ‬فيها‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التغطية‭ ‬المباشرة‭ ‬لعمليات‭ ‬الإنقاذ‭ ‬وتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬المشاهد‭ ‬الدرامية‭ ‬وإنقاذ‭ ‬الأطفال‭ ‬والمحتجزين‭ ‬تحت‭ ‬الإنقاذ،‭ ‬وإبراز‭ ‬بطولات‭ ‬رجال‭ ‬الإنقاذ‭ ‬ومتابعة‭ ‬حملات‭ ‬الإغاثة‭ ‬مما‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬سرعة‭ ‬الإنقاذ‭ ‬والإمدادات‭ ‬والمساعدات‭ ‬للمنكوبين‭.‬

إذاً‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬أصبح‭ ‬حاضرًا‭ ‬بحديه‭ ‬الإيجابي‭ ‬والسلبي‭ ‬في‭ ‬السلم‭ ‬والحرب‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬دوره‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬التقنية‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬بحوث‭ ‬الإعلام‭ ‬لإعادة‭ ‬قراءة‭ ‬دوره‭ ‬ومهامه‭ ‬ومخاطره‭ ‬من‭ ‬جديد‭!!‬