منذ افتتاح كلية الملك خالد العسكرية في الثالث من شهر ربيع الأول عام 1403هـ، على يدي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ عندما كان وليًا للعهد، نيابة عن الملك فهد بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ وهي تواصل أداء رسالتها العلمية والعسكرية، والمتمثلة في: (تعليم وتدريب الطالب، ليحوز على الصفات التي تؤهله ليكون ضابطًا في حقل تخصصه)، وذلك وفق مناهج علمية وبرامج تدريبية صممت بكل إتقان لتواكب كل ما يُستحدث في مجال التعليم والتدريب العسكري.
ولم تقتصر مهام الكلية عند حدود تأهيل طلبتها، بل إنها تضطلع بعدة مهام أخرى تعمل من أجلها، وتسخّر لها الإمكانات والبرامج، ومن أهمها: عقد دورات تأهيلية للضباط وضباط الصف بوزارة الحرس الوطني، والإسهام في خدمة البحث العلمي في المجال العسكري، والمشاركة في خدمة المجتمع من خلال المناسبات الوطنية على مدار العام.
وتزامنًا مع تخريج دورة تأهيل الضباط الجامعيين الرابعة والثلاثين، والدفعة التاسعة والثلاثين من طلبة الكلية، يسرّ هيئة تحرير مجلة الكلية أن تسلّط الضوء بشكلٍ مختصر على جوانب العملية التعليمية والتدريبية في الكلية، ورؤيتها الطموحة في الريادة في التعليم العسكري.
المناهج الدراسية والبرامج التدريبية في الكلية
تسعى كلية الملك خالد العسكرية، من خلال مناهجها الدراسية المختلفة، وبرامجها التدريبية المتنوعة، إلى تأهيل طلابها من جميع الجوانب: التربوية والثقافية والعلمية والبدنية والقيادية والعسكرية، وفق أحدث وسائل وطرق التدريب والتعليم، على أيدي نخبة مميزة من أعضاء هيئة التعليم والتدريس من مدنيين وعسكريين؛ مما يمكنهم من أداء مهامهم وواجباتهم بكل إتقان وإخلاص. وتشمل جوانب التأهيل المختلفة التي تقوم بها الكلية كما يلي:
أولًا: الجوانب التربوية والثقافية والعلمية
تحرص كلية الملك خالد العسكرية، من خلال عدة مقررات، منها: القرآن الكريم، والثقافة الإسلامية، واللغة العربية، ومهارات الاتصال، وعلم الاجتماع، والإدارة العامة، وأساسيات علم الاقتصاد، والجغرافيا السياسية، والإعلام العسكري، والقانون الدولي… وغيرها من مناهج تربوية وعلمية وثقافية وعسكرية، على تأهيل طلبتها فكريًا، والارتقاء بمستواه الثقافي والمعرفي، إيمانًا منها بأهمية الجانب الفكري قبل البدني للطالب، وسعيًا منها إلى تحصينه من التيارات والأفكار المخالفة، وكذلك إيمانًا بأهمية الثقافة والمعرفة، وانعكاساتها الإيجابية على العملية التعليمية، وعلى شخصية الطالب، مما يكسبه ثقافة معرفية متراكمة تكون له عونًا في حلّ ما يعترضه من مشكلات، كما تساعده على اتخاذ القرارات السليمة لاطلاعه على خبرات السابقين فيما يخص أمور الإدارة، والتخطيط، واتخاذ القرارات، وتساعده كذلك في حسن التعامل مع الأشخاص وزيادة طاقتهم الإيجابيّة، كما أنها تكسب الشخص محبة الآخرين، واحترامهم، ومودتهم.
كما تحرص الكلية من خلال المحاضرات اللامنهجية وعقد اللقاءات مع الطلبة على تنمية مبدأ الاعتزاز الوطني، والعسكري لدى الطالب، وشرف ارتداء الزي العسكري دفاعًا عن الدين ثم المليك والوطن.
ثانيًا: الجانب القيادي
القيادة في المجال العسكري هي: «فن التأثير وتوجيه الرجال لتحقيق الأهداف، وبطريقة صحيحة يتسنى معها كسب طاعتهم واحترامهم وولائهم وتعاونهم».
وفي العصر الحديث أصبحت القيادة علمًا قائمًا بذاته، كونها تقوم على قدرة الشخص على التأثير في مرؤوسيه، لتحقيق أهداف القيادة العليا.
وانطلاقًا من ذلك فقد حرصت الكلية، ووجّهت كافة جهودها إلى بناء شخصية الطالب القيادية، ليصبح قائدًا يعتمد عليه في قيادة الرجال وتحقيق الأهداف المعقودة عليه.
ثالثًا: الجوانب العسكرية والتطبيقات الميدانية
يتلقى الطالب العسكري في الكلية تدريبًا عسكريًا تأسيسيًا متدرجًا من المستوى الأساسي إلى المتوسط وحتى المستوى المتقدم بشكلٍ يتوافق مع العقيدة العسكرية وطبيعة المهام، وبناءً على ذلك، فقد صممت استراتيجية التدريب في الكلية لتتوافق مع هذا التدرج المعرفي.
ويمكن إجمال ما يتلقاه الطالب في الكلية من تدريب في: حركات المشاة والعروض العسكرية، ومهارات استخدام الأسلحة والأطقم، وقراءة الخرائط والملاحة البرية التقليدية وأجهزة الملاحة بالأقمار الاصطناعية، ومهارات الميدان والتكتيكات العسكرية، وعمليات الأمن والاستخبارات، وعمليات إسناد القتال، وعمليات خدمات إسناد القتال.
ولتكتمل العملية التدريبية، ويتم فهمها بشكل أكبر وأدق، فإن كلية الملك خالد العسكرية تحرص على أن يتم تطبيق كل ما تم تعليمه نظريًا والتدرّب عليه ميدانيًا، فهو يساعد الطالب في فهم الموضوعات النظرية، كما يسهم في تطوير مهاراته وخبراته، ويعزز كذلك من التعاون وإذكاء روح العمل الجماعي، ويظهر مهارات الإبداع والتطوير الذاتي لشخصية الطالب.
ولذا تقوم الكلية بتخصيص جزء ضمن خطة التدريب العامة لأداء التطبيقات الميدانية على النحو التالي:
1. تدريبات ميدانية قصيرة المدة، وتخصص لأداء تطبيقات على موضوع واحد، كالتطبيقات القتالية أو الملاحة البرية أو هندسة الميدان …إلخ، وتمتد من ساعات إلى يوم أو يومين.
2. تدريبات ميدانية سنوية طويلة المدة،وتعتبر هذه التمارين محصلة مشتركة لعدة مواضيع عسكرية أو عدة مواد عسكرية، مثل: تمارين المهارات والتكتيك، والملاحة البرية، وهذه التمارين تمتد لأسبوع أو أسبوعين.
وقد أضيف إلى التدريب العسكري في الكلية برنامج صيفي تم تقسيمه إلى مسارين: (مسار داخلي)، يتم التدريب فيه داخل الكلية، ومن خلال زيارة عددٍ من وحدات الحرس الوطني، و(مسار خارجي) يتم فيه التدريب في أكاديمية (ساندهيرست) البريطانية، حيث تمّ في هذا الجانب، وبناءً على توجيهات صاحب السمو الملكي وزير الحرس الوطني؛ توقيع مذكرة تعاون بين كلية الملك خالد العسكرية وأكاديمية (ساندهيرست)، التي تعدّ من أعرق الأكاديميات العسكرية لما تملكه من تاريخ عريق وخبرات متراكمة عبر السنين.
رابعًا: الجانب البدني
العمل العسكري هو في مجمله عملٌ بدني يعتمد بشكل كبير على القوة البدنية وقوة التحمّل، ولذا تكتسب اللياقة البدنية العالية للرجل العسكري أهمية كبيرة، فهي تعينه على أداء ما يوكل إليه من مهام وواجبات على أكمل وجه، كما أنها تمكنه من التغلب على الإرهاق البدني والنفسي في تنفيذ العمليات العسكرية المستمرة.
وإيمانًا من الكلية بتلك الأهمية للياقة البدنية للطالب العسكري، فقد خصصت جزءًا كبيرًا من ساعات العمل اليومي لرفع لياقته البدنية، وذلك منذ دخوله الكلية، وانطلاقًا من مرحلة الاستجداد، حيث ينتقل الطالب من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية، ثم عند وصول الطالب إلى المستوى المطلوب تتم المحافظة على هذا المستوى طوال تواجده بالكلية وفق خطة تدريبية مستمرة، وفي أوقات محددة وفق الأنشطة التالية:
1. التدريب البدني الصباحي اليومي:
حيث يمارس الطالب ــ تحت إشراف مدربين مختصين ـــ الرياضة الصباحية عند بداية يومه، ليشمل ذلك التمارين اللياقية، والجري لمسافات متفاوتة وفق الخطط المعتمدة.
2. الجري الدوري لمسافات طويلة:
وفقًا للبرامج والخطط التدريبية، يقوم الطلاب بالجري لمسافات متفاوتة، وهذا النشاط يساعد المختصين على قياس مستوى اللياقة البدنية، وتدعيم قدرات الطلاب على الصبر والتحمل.
3 . المسير الطويل بالعتاد العسكري:
وهو نشاط بدني يجرى بشكلٍ دوري يتمثل في السير بكامل العتاد العسكري القتالي لمسافات طويلة تحاكي الظروف التي من الممكن للرجل العسكري أن يعايشها خلال العمليات القتالية، وتستهدف قياس مستوى الصبر والتحمل والصلابة.
4. ممارسة الألعاب الرياضية المختلفة:
يمارس الطلاب وفق البرامج المسائية ألعابًا رياضية متعددة في مرافق الكلية الرياضية التي تم تجهيزها بكافة المستلزمات، وعلى أحدث المواصفات، تحت إشراف طاقم رياضي مؤهل في المجال الرياضي.
5 . المنافسات الرياضية: تقيم الكلية بطولةً رياضية سنوية في عدد من الألعاب الرياضية إذكاءً لروح التنافس بين الطلاب، كما تشارك في اللقاءات الودية بين الكليات العسكرية في المملكة، بالإضافة إلى البطولات الرياضية على مستوى وحدات وزارة الحرس الوطني.
كلية الملك خالد العسكرية ورؤيتها التطويرية
إيمانًا بأهمية التطوير للمؤسسات التي تنشد التميز والإبداع، وانطلاقًا من رؤية حكيمة من حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ــ يحفظهما الله ــ، فقد شهدت قطاعات الدولة كافة حراكًا تطويريًا غير مسبوق؛ ومنها وزارة الحرس الوطني، التي حرصت، وبتوجيهاتٍ كريمة من سمو وزير الحرس الوطني صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز، على رفع كفاءة منسوبيها، وتجويد مخرجاتها، عبر إطلاق مبادرات مختلفة من خلال برنامج تطوير وزارة الحرس الوطني، ليتواصل دور الوزارة العسكري والتنموي والحضاري في جميع المجالات، بوصفها أحد مكتسبات الوطن وركائزه؛ ومن هنا انبثقت رؤية تطوير كلية الملك خالد العسكرية، التي صدرت توجيهات سمو وزير الحرس الوطني بتشكيلها، والتي تتضمن مبادرات هي جزء من مبادرات أشمل منها على مستوى الوزارة.
وقد مرّت خطة تطوير الكلية بعدة مراحل انطلاقًا من مسار التخطيط، الذي اشتمل على عدة مراحل، حيث بدأ أولًا بتشكيل اللجنة، التي بدأت التخطيط ثم تطوير منهجية العمل، عقب ذلك باشرت اللجنة العمل ميدانيًا من خلال الزيارات التي تمت داخل الكلية لدراسة الوضع الراهن، وكذلك زيارة الكليات العسكرية المماثلة لرصد الممارسات المثلى وتقديم المقارنات المعيارية لتقديمها على شكل خطة.
وتهدف الخطة التطويرية للكلية إلى تحقيق أهداف استراتيجية تتمثل في: تحقيق مستوى تعليمي عسكري فعًال لبناء الطالب وتأهيله كقائد فصيل، وبناء نموذج تشغيلي ذو كفاءة وفعالية، وترسيخ قيم ثقافية واتجاهات سلوكية متميزة، وتحسين مستوى الخدمات المساندة في بيئة الكلية، وتعزيز دور الكلية في تحسين نمط الحياة لمنسوبيها.
ولتحقيق تلك الأهداف الاستراتيجية فقد تم إقرار (29) مبادرة، موزعة على (5) مجالات هي: مجال التعليم، ومجال البيئة الإدارية والتنظيمية، ومجال البيئة الثقافية والسلوكية والقيادية، ومجال الخدمات المساندة، ومجال جودة الحياة. ففي مجال التعليم تم إطلاق (8) مبادرات، هي: تطوير سياسات التعليم، وابتعاث الطلبة داخليًا وخارجيًا، وتطوير مستوى دراسة اللغة الإنجليزية، وتطوير منهاج الكلية ومحتوى المواد الدراسية، ورفع مستوى التدريب العملي العسكري، وتطوير التعليم الإلكتروني، وتفعيل مركز الدراسات والبحوث، والحصول على الاعتماد الأكاديمي.
وتهدف مبادرات تطوير كلية الملك خالد العسكرية بشكل عام، ومبادرات مجال التعليم بشكل خاص، إلى تحقيق رؤية سمو وزير الحرس الوطني المتمثلة في: (الريادة في التعليم العسكري).
خاتمة
تحرص كلية الملك خالد العسكرية، منذ إنشائها وحتى اليوم، على مواكبة التطورات والتحديثات المتسارعة التي يشهدها في مجال التعليم والتدريب العسكري، حتى تكون قادرةً على أداء رسالتها، والمتمثلة في إعداد وتأهيل طلبتها في جميع الجوانب: الفكرية والعسكرية والثقافية والبدنية… وغيرها من جوانب، على أعلى مستوى، حتى يكونوا على أتمّ الاستعداد لأداء واجباتهم تجاه وطنهم ومؤسستهم العسكرية ووحداتهم بكل إتقانٍ واحترافية، متسلحين بالإيمان والعزيمة والإصرار والعلم والمعرفة.