العميد الدكتور
وليد بن راشد الشهري
للطائرات المسيرةأصبحت الطائرات المسيّرة تشغل فكر القادة العسكريين في أي صراع قد ينشب في العالم نتيجة لتطورها والتوسع في استخدامها، وعلى الرغم من ظهور أجيال عديدة منها؛ فإن أساليب استخدام هذه الطائرات أضافت إليها أبعادًا جديدة أحدثت ثورة في مجال الاستخدام مما أدى إلى فتح آفاق متعددة للطائرات المسيّرة، واهتمت كثير من الدول المنتجة للسلاح بإنتاج الطائرات المسيّرة لاستخدامها في تنفيذ العديد من المهام التي تكلَّف بها طائرات القتال الحديثة، وتم تطوير تلك التكنولوجيا في الأساس للاستخدام في الجوانب العسكرية والاستخباراتية، إذ كانت تستخدم في العمليات العسكرية أو في التجسس ورصد ومهاجمة الأهداف.
وشهدت السنوات الأخيرة تزايدًا مضطردًا في استخدام الطائرات المسيرة لأداء مهام مختلفة استخباراتية وقتالية، بخلاف الاستخدامات المدنية الأخرى، وفيما لعبت الطائرات المسيرة دورًا محوريًا في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، كما استخدمت بعض الدول الكبرى الطائرات المسيرة في ساحات صراعية مختلفة، فإن الحرب الروسية ــ الأوكرانية أعادت تأكيد أهمية المسيرات في الحروب، وتزايد الاعتماد عليها مستقبلاً، خاصة أن تلك الحرب ربما تكون المحطة الأولى التي تستخدم فيها دولتان متقاتلتان الطائرات المسيرة عسكريًا كلتاهما ضد الأخرى، وليس ضد طرف لا يستخدمها أو لا يمتلكها.
الخصائص الفنية والتعبوية للطائرات المسيّرة
اختلفت التعريفات التي تناولت مصطلح: (الطائرات بدون طيار) مع مرور الوقت،(1) وبحسب الزاوية التي ينظر إليها، فهناك مصطلحات تطلق على الطائرات بدون طيار مثل الدرونز، وتشمل كل الآلات والمركبات التي يتم التحكم فيها عن بعد، مع العلم أن هذا المصطلح يُعد الأكثر شيوعًا عند إطلاق مصطلح الطائرات بدون طيار،(2)
والطائرات ذات التحكم عن بعد، وهي الطائرات التي لا تحمل أي عنصر بشري، لكن يتم التحكم فيها عن بعد من خلال طيار،(3)
وأخيرًا نظام الطائرات ذات التحكم عن بعد، ويعني مجموع العناصر المطلوبة لتحقيق القدرة على الطيران بدون طيار ويشمل: الطائرة، الطيار على المحطة الأرضية، محطة المراقبة الأرضية، مشغلي أجهزة الاستشعار، وصلات البيانات، وصلات الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.(4)
تاريخيًا، يعود اختراع الطائرات المسيرة إلى أكثر من مائة وعشرين عامًا، وتحديدًا في عام 1898م للمخترع الأمريكي الصربي نيكولا تيسلا، الذي عمل على تطوير المركبات المُوجهة عن بُعد، لتكون خطوة أولى في طريق سباق الروبوتات،(5) وطبقًا للمتحف الملكي للحرب بالمملكة المتحدة، تم تطوير أول مركبات للطيران من دون طيار في بريطانيا والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى، وأجريت أولى الاختبارات لطائرة يتم التحكم فيها عن بعد في بريطانيا عام 1917م، بينما تم إجراء أول رحلة لطائرة أميركية من دون طيار في عام 1918م، وعلى الرغم من أن كليهما أظهر أداءً واعدًا في اختبارات الطيران، فإنهما لم يستخدما عمليًا خلال الحرب العالمية الأولى.(6)
لم يبدأ الاستخدام الفعلي للطائرات من دون طيار إلا في عام 1935م، حين صنعت المملكة المتحدة طائرات يتم التحكم بها عن طريق موجات الراديو واستخدمت للتدريب، وليس في ميدان المعركة، وتزامن ذلك مع تصنيع الولايات المتحدة نماذج مشابهة للتدريب أيضًا، ولم تدخل الطائرات من دون طيار ميادين المعارك إلا في حرب فيتنام، حيث استخدمتها الولايات المتحدة في عملياتها على الأرض، ومن وقتها تم تطوير هذا النوع من الطائرات حتى أصبحت أداة لا غنى عنها في مهام الاستطلاع وجمع المعلومات، إذ إنها قادرة على توفير صور ذات دقة عالية ومهاجمة الأهداف، كما تؤدي دورًا حاسمًا في الدعم اللوجستي للقوات البرية.(7)
تنقسم أنواع الطائرات المسيّرة من حيث التوجيه إلى: (الطائرات الموجهة ذاتيًا، والطائرات الموجهة عن بُعد)، ومن حيث إمكانية الاستعادة إلى: (طائرة مسيّرة يمكن استعادتها، وطائرة مستهلكة)، ومن حيث الشكل الخارجي إلى: (طائرة مسيّرة على شكل طائرات ذات جناح ثابت، وطائرة موجّهة من دون طيار على شكل طائرات عمودية).
تعتمد الخصائص الفنية على استخدام وتطوير التقنية لتصميم الطائرة من مواد وشكل انسيابي، وخصائص المحرك تساعد على صعوبة اكتشاف الطائرة وزيادة قدرتها على البقاء، ونتيجة التطور السريع والمتلاحق للطائرات المسيّرة صارت تتمتع بالعديد من الخصائص التعبوية مما يحقق إمكانية تنفيذ مهامها القتالية بكفاءة عالية.
تستخدم الطائرات المسيّرة في مهام الاستطلاع الذي يُعد المهمة الرئيسة للطائرات المسيّرة بهدف جمع المعلومات الدقيقة على امتداد وعمق منطقة العمليات وفي جميع الأوقات والظروف لمساعدة القائد في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وتتعدد صور الاستطلاع وفقًا لطبيعة التجهيزات المزودة بها. وأدت التطورات المتسارعة في التكنولوجيا إلى زيادة إمكانات الطائرات المسيرة في اتجاهات متعددة، أهمها الآتي:
1. القدرة على حمل أسلحة متنوعة ومتعددة، بالإضافة إلى دقة تمييز الأهداف وتدميرها باستخدام أنظمة توجيه حديثة (رادارية، تلفزيونية، حرارية، ليزرية، GPS).
2. القدرة على الهبوط والإقلاع العمودي، أو من ممرات قصيرة، أو إطلاقها من منصات متحركة، وظهور أنواع تجمع بين خصائص ومميزات الطائرات ذات الأجنحة الثابتة والمروحيات (8) (Drones Hybrid).
3. زيادة المدى؛ نظرًا لتطور تكنولوجيا بناء الطائرات من المواد المركبة (Composite Materials)، والتي تتمتع بخفة وزنها بشكل كبير مقارنة بالمواد التقليدية، وأدى ذلك إلى زيادة كمية الوقود الذي تحمله لتنفيذ المهام بعيدة المدى.
4. إنتاج طائرات مسيرة تشبه في شكلها الخارجي وحركتها الطيور، ومنها على سبيل المثال الطائرة التي عرضتها روسيا في المعرض العسكري السنوي لوزارة الدفاع في عام 2019م، وتزن (5) كجم، ومداها حتى (20) كلم،(9)
وأيضًا الطائرة التي أنتجتها الصين، ويصل وزنها إلى (200) جرام، وتطير لمدة (30) دقيقة بسرعة (25) ميلاً في الساعة.(10)
5. استخدام تكنولوجيا الإخفاء؛ لتقليل إمكانية اكتشافها.
6. تجهيز الطائرات المسيرة الحديثة ومحطاتها الأرضية بتطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ مما أضاف إليها العديد من الإمكانات، ومثال لذلك:(11)
¿ تطوير طائرات مسيرة تتخذ القرارات دون الرجوع إلى المحطة الأرضية بالإضافة إلى التحكم عن بعد؛ مثل الطائرة المسيرة (B-47X Grumman Northrop)، التي تعمل من على حاملات الطائرات.
¿ إمكانية تحليل كم كبير من البيانات التي ترسلها الطائرات المسيرة بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
¿ استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في طيران أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة صغيرة الحجم في وقت واحد (تماثل حجم الطيور)، قادرة على الانتشار والتحرك معًا بصورة آلية لتنفيذ مهام قتالية؛ مما يفرض تحديات أمنية جديدة لصعوبة إسقاطها باستخدام نظم الدفاع الجوي التقليدية.(12)
¿ رسم الخرائط الجوفية (Subterranean Maps)؛ لاكتشاف مصادر الخطر تحت الأرض، بالإضافة إلى اسـتخدامها في البحث والإنقاذ في المناجم المنهارة.(13)
¿ يذكر أن مبيعات الطائرات المسيرة عالميًا قد تجاوزت (5) ملايين طائرة في عام 2020م، وتشير التوقعات إلى أنها ستتجاوز الـ(7) ملايين في عام 2025م. وقد ارتفعت مبيعاتها إلى أكثر من 57% بين عامي 2021 ــ 2022م، هذا في حين تشير تقديرات شركة (آي اتش إس) للأبحاث إلى أنه من المرجح أن ينمو سوق الطلب على الطائرات المسيرة بنسبة 5.5% سنويًا لتصل قيمتها من (6.4) مليار دولار حاليًا إلى (10.4) مليار دولار في عام 2024م. وقد أشار تقرير لصحيفة (تليغراف) البريطانية إلى أن إجمالي الاستثمارات العالمية في صناعة الطائرات المسيرة يصل إلى (127) مليار دولار،(14)
أما على مستوى الشرق الأوسط، فترجح بعض التقديرات أن الطلب على الطائرات المسيرة سينمو من نحو (260) مليون دولار في عام 2017م إلى (3.8) مليار دولار على مدى العقد المقبل بما يمثل 8% من حجم الطلب العالمي.(15)
أبعاد توظيف الطائرات المسيرة كأداة استخباراتية وعسكرية
خصصت الدول حاليًا مخصصات مالية هائلة لتطوير الطائرات المسيرة، وامتلاك عدد أكبر من الطائرات الصغيرة الحجم بما يساعدها في الصمود في وجه الخصوم، فعند نشر عدد كبير من الطائرات المسيرة بهذه المواصفات من جانب طرف ما، وتعرضها للسقوط أو التعطيل أو التشويش على أنظمتها، فإن هذا الطرف لن يتكبد الخسائر الفادحة نفسها التي كان سيتكبدها عند نشر قواته البشرية على الأرض، لا سيما أنها أقل تكلفة من الطائرات الحربية العادية التي تحتاج لطيارين يتطلب تدريبهم الجهد والمال والوقت.
وبالتالي، باتت الطائرات المسيرة إحدى الأدوات العسكرية الرئيسة، ويتمثل أحد الأسباب الرئيسة للإقبال عليها، وفقًا لاتجاهات عديدة، في تنوع المهام التي تقوم بها، حيث يتزايد الاعتماد على الطائرات المسيرة لأداء عدد من المهام في المجال العسكري والاستخباراتي؛ وذلك على النحو التالي:
1. يتم استخدام الطائرات المسيرة لأغراض استطلاعية لجمع المعلومات عن منطقة معينة لتساند الاستخبارات العسكرية، وتنفيذها بشكل أكثر دقة وأسرع بما يساعد على تقليل الأضرار التي كانت ستحدث لو استخدمت الأسلحة العادية، فإن المهام الاستخباراتية والاستطلاعية لا تزال تحتل مكانة متقدمة جدًا في قائمة المهام والعمليات الهامة التي يمكن أن تقوم بها الطائرات المسيرة، ولا يعد جمع المعلومات الاستخباراتية واستطلاع المواقع والأوضاع العسكرية والاستراتيجية من الاستخدامات الأكثر أهميةً للطائرات المسيرة، أو أهمها في بعض الأدبيات العسكرية فقط، بل إنه توظيف تقليدي يعبر عن امتداد للتوظيف الأول للطائرات التقليدية قبل نحو (100) عام.(16)
2. بدلًا من إرسال مجموعة من القوات الاستطلاعية أو طائرات تقليدية يسهل رصدها للقيام بمهام الاستطلاع وجمع المعلومات عن مواقع العدو وتحركاته، يمكن توظيف الطائرات المسيرة في هذا الأمر؛ ما يقلل ــ ضمن مزايا أخرى ــ من عنصر المخاطرة بدلاً من المخاطرة بمجموعة من القوات الخاصة والاستطلاعية؛ الأمر الذي تزداد أهميته في الدول والمجموعات العسكرية ذات القوات المحدودة؛ وهو ما يدفعها نحو الاستفادة من القدرات التكنولوجية لتعويض هذا النقص العددي، كما أنه يوفر من توظيف الطائرات التقليدية في هذا العمل، فعلى سبيل المثال، فإن المسيرات الصينية التي تستوردها روسيا بغرض استخدامها عسكريًا في أوكرانيا (على رغم العقوبات الغربية)، حيث مخاوف الإدارة الأميركية من أن هذه المسيرات لا تخدم فقط الجهود العسكرية الروسية في أوكرانيا، بل تمد الصين بمعلومات استخباراتية من أرض المعركة، وهو ما من شأنه أن يعزز قوة بكين وقدرتها العسكرية، بمعنى آخر، تخشى واشنطن بشكل واضح وصريح من تنامي قدرات الدولة المصنعة للمسيرات التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا لأسباب لا تتعلق لا بروسيا ولا بأوكرانيا، بل لأسباب تتعلق بـ«الحرب الشرسة بين أميركا والصين».(17)
3. إن الطائرات المسيرة جرى تطويرها للقيام بمهام قتالية، بحيث تكون مجهزة بآليات لإطلاق الصواريخ وإلقاء المتفجرات والقنابل على مواقع العدو والأهداف الاستراتيجية، أو أن تكون الطائرات المسيرة نفسها أشبه بطائرات انتحارية؛ أي تزويدها بعبوات ناسفة تنفجر عند الاصطدام، وتبرز الطائرة المسيرة (Switchblade) التي سلمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا ضمن حزم المساعدات العسكرية، والتي تعتبر ــ كما يصفها الخبراء العسكريون ــ «مزيجًا بين الصاروخ والطائرة المسيرة»، وهي تجمع بين مزايا الاثنين، وتحاول تلاشي عيوبهما؛ فعلى عكس الطائرات القتالية الكبيرة لا تحتاج إلى مطار أو الكثير من تجهيزات البنية التحتية لإطلاقها، وعلى عكس الصواريخ التقليدية أيضًا، فإنها بما تملكه من إمكانات تكنولوجية تستطيع تحديد الهدف والانطلاق نحوه ومهاجمته.(18)
4. ربما تُكرِّس حرب أوكرانيا لمسة جديدة لهجمات الطائرات المسيرة، وهي السمة المتعلقة بالتوسُّع في عمليات الاستهداف الليلي؛ فعلى مدار الفترة التي تلت بداية التدخُّل العسكري الروسي في أوكرانيا، تداولت وسائل الإعلام المختلفة تسجيلات فيديو وصورًا تُظهِر استهداف قوات وآليات عسكرية روسية ليلاً باستخدام الطائرات المسيرة مزودة بأجهزة تصوير حرارية قادرة على تحديد موقع المركبات الروسية من إشاراتها الحرارية، مثل: الفيديو الذي انتشر في بدايات الحرب، وأظهر مُهاجَمة قافلة من المُدرَّعات الروسية كانت متجهة إلى العاصمة كييف، من خلال نصب كمين ليلي باستخدام طائرات مُسيَّرة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن استخدام خدمة الأقمار الاصطناعية (ستارلينك) عزَّز قدرة القوات الأوكرانية على توجيه الطائرات المُسيَّرة، وتنفيذ هجمات ليلية على القوات الروسية.(19)
5. تشير التجارب إلى أن دمج هذا النوع من الطائرات ضمن مجموعة أو سرب يجعل تهديدها مضاعفًا، ووفقًا للخبراء؛ فإن هجوم سرب من الطائرات على هدف معين، يُجبر المدافع على (تدمير)، والتعامل مع مجموعة من الأجسام المعادية في الوقت ذاته، وثمة توقعات بأن يضاعف استخدام الطائرات العسكرية المسيرة عبر نمط (السرب) من قدراتها ويحد من القدرة على مواجهتها، مع توقعات أن تؤسس أسراب الطائرات المسيرة لحقبة جديدة من الحروب الذكية؛ بحيث تكون آلاف الطائرات المسيرة الروبوتية صغيرة الحجم غير مرئية بشكل كامل عند انتشارها وإطلاقها بشكل فردي؛ لتجنب لفت الأنظار، وللاختفاء عن رصد الرادار، قبل أن تتمكن من التجمع والاندماج في سرب كامل كأسراب الطيور والحشرات، وتهاجم أهدافها بشكل جماعي وذكي في اللحظات الأخيرة.(20)
ويشير خبراء الأسلحة إلى أنه في أسراب المسيرات تعمل كل طائرة وتقوم بأداء مهامها بشكل مستقل، وتشارك المعلومات والبيانات التي تجمعها مع بقية السرب، ويتمكن السرب من تنفيذ هجوم جماعي مدمر يصعب على الدفاعات الجوية المضادة إيقافه، فضلاً عن عنصر المفاجأة المرتبط بحجم الهجوم عند تجمع الطائرات المسيرة، وهو ما يعني أن نمط الأسراب يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ كي تستطيع المسيرات التصرف والعمل الفردي بشكل مستقل، والمشاركة والعمل الجماعي مع السرب وفق التطورات الميدانية، ولكي يتمكن سرب المسيرات من الرد على التهديدات ومواجهتها دون تدخل بشري، سواء عبر تغيير المسار أو السرعة أو الارتفاع أو المناورة أو الرد والاشتباك.(21)
6. تظهر بعض المعارك استخدام الطائرات المُسيَّرة كأدوات مساعدة في تنفيذ الهجمات، وخاصةً من خلال الخداع والتشويش. ولعل النموذج الأبرز على ذلك عملية إغراق الطرَّاد الروسي المُسلَّح (موسكفا)، في 14 أبريل 2022م، باستخدام صواريخ (نبتون) الأوكرانية الصنع؛ حيث كانت الطائرات المُسيَّرة (بيرقدار تي بي 2) جزءًا من مشهد العملية؛ فقبل تنفيذ الهجوم على السفينة الروسية، تم إرسال الطائرات المُسيَّرة إلى المجال الجوي للسفينة، وهو ما ساعد على صرف انتباه دفاعات السفينة إلى هذه الطائرات. ومن ثم سمح للقوات الأوكرانية بإطلاق الصواريخ عليها وإغراقها.(22)
7. تتزايد أهمية الطائرات المسيرة في المعارك التي تتم عبر مسافات طويلة، في ظل قدرتها على ضرب أهداف بعيدة بعوامل أمان أكبر؛ ففي الحروب التي يتم خوضها عن بعد، أو حتى على مساحات كبيرة، غالبًا ما تكون قوات العدو، أو الأهداف الاستراتيجية المطلوب تدميرها أو تعطيلها على بعد أميال ومسافات طويلة. وتوفر الطائرات المسيرة قدرات كبيرة لسد الفجوات الجغرافية واستطلاع ومهاجمة الأهداف البعيدة، أو ضرب أهداف في العمق الحيوي للعدو في مناطق يصعب الوصول إليها في ظل الاعتبارات الميدانية الحالية للمعركة، أو الرغبة في القيام بهجمات خاطفة في العمق دون الانجرار إلى معركة كاملة.(23)
مزايا التوظيف العسكري والاستخباراتي
تقدم المسيرات عددًا من المزايا تدفع الدول والجيوش إلى الاعتماد عليها وتزايد توظيفها عسكريًا واستخباريًا، منها:
1. لا تتوقف القدرات الاستطلاعية للطائرات المسيرة على مسألة التطور أو الجودة أو السرعة؛ إنما ثمة عامل لاحق يتعلق بالارتباط بين مرحلة الاستطلاع وما تليها من مراحل قتالية؛ حيث ساعد قيام الطائرات المسيرة بمهام استخباراتية واستطلاعية على تقليل الفجوة الزمنية بين العمليات الاستطلاعية والاستخباراتية وبين العمليات القتالية نفسها التي تتم اعتمادًا على بيانات العمليات الاستطلاعية؛ فبينما تشير تقديرات سابقة إلى قضاء المراقبين نحو (20) أو (30) دقيقة في عملية تحديد الهدف بدقة، فإن الطائرات المسيرة قد مكَّنت القوات القتالية من تنفيذ العملية القتالية ومهاجمة الهدف بالأسلحة والصواريخ في غضون ثلاث إلى خمس دقائق فقط من اكتشاف الطائرة المسيرة للهدف.
وثمة جانب تكتيكي تتميز به الطائرات المسيرة يتعلق بقدرتها على المراوغة وإخفاء الهوية بالشكل الذي يضع القوات المُستهدَفة في حيرة من أمرها عند مواجهة طائرة مسيرة، وهو ما يحدث على مستويين: الأول يتعلق بهوية الجهة صاحبة المسيرات، خاصةً مع كثافة الاستخدام،(24) أما المستوى الثاني فيتعلق بهوية الطائرة المسيرة ذاتها وطبيعة استخدامها، وليس فقط هوية الجهة المالكة لها؛ حيث يمكن للأطراف المتحاربة المراوغة باستخدام الطائرات التجارية لتحقيق أهداف عسكرية واستخباراتية؛ فيمكن استخدام الطائرات التجارية المسيرة طويلة المدى لتوفير معلومات حول الأهداف الموجودة خلف خط المواجهة، وفي هذه الحالة يصعب تحديد هوية الطائرة وطبيعة المهمة التي تقوم بها، وإذا ما كانت طائرات تجارية أو طائرات نقل حقًا أم طائرات تستخدم لأغراض عسكرية واستخبارية.(25)
2. تشهد الطائرات المسيرة تطويرًا في مختلف قدراتها عبر دمج تقنيات ذكية فيها أو الاستفادة منها أو تطوير أسلحة أخرى لتحويلها إلى طائرات مسيرة مقاتلة؛ فعلى سبيل المثال، استخدمت القوات الأوكرانية طابعات ثلاثية الأبعاد لإضافة زعانف ذيل للقنابل اليدوية المضادة للدبابات من الحقبة السوفييتية؛ بحيث تستطيع تلك القنابل البسيطة والرخيصة عند إسقاطها من طائرة تجارية مسيرة أن تحدث تأثيرًا أكبر وتخترق وتصيب الدبابات والمركبات الروسية، ويشير ذلك إلى قدرة عمليات الدمج الذكية على إحداث تأثيرات مضاعفة، وأن دمج التقنيات التكنولوجية التجارية والعسكرية المنخفضة التكلفة، وتطوير قدرات الطائرات المسيرة التجارية عبر رؤية ابتكارية معينة، يمكن أن ينتج قدرات أكبر قادرة بتكلفة منخفضة على تدمير مركبات ودبابات غالية الثمن.(26)
3. يرتبط جانب مهم من تفسير الاعتماد المتزايد على الطائرات المسيرة إلى جانب عوامل القدرة والتطور، بعامل التكلفة، سواء تكلفة المسيرات نفسها بالمقارنة بالأسلحة الأخرى الممكن استخدامها لتحقيق ذات الأهداف، أو التكلفة مقارنة بالتكلفة التي يتكبدها العدو في محاولة إحباط الهجمات، وهو ما يرتبط بعمليات الدمج التقني؛ حيث تستطيع عبر دمج قنبلة يدوية تكلفتها نحو (200) دولار في مسيرة تكلفتها نحو (3000) دولار تدمير دبابة تكلفتها (3) ملايين دولار. كذلك الأمر فيما يتعلق بنمط الأسراب؛ إذ تشير تقديرات إلى أن سرب طائرات بدون طيار يتكون من عدة آلاف من الطائرات المسيرة، قد يكلف الدولة ما هو أقل من تكلفة حيازة مقاتلة واحدة من طراز (F–35) أو صاروخ باليستي، وفق بعض التقديرات.(27)
وذلك بالإضافة إلى عامل التكلفة الذي يتعلق بتكلفة استخدام السلاح نفسه والمفاضلة بينه وبين غيره من البدائل على مستويي التكلفة والإمكانات؛ فهذا العامل أيضًا بمقدوره تفسير لجوء موسكو إلى مسيرات (شاهد) الإيرانية؛ فبالمقارنة بالأسلحة الأخرى التي تستخدمها موسكو في الحرب الأوكرانية، فإن صواريخ كروز كاليبر الروسية تكلف كل منها موسكو مليون دولار؛ لذلك اعتمدت القوات الروسية على مسيرات ذاتية التفجير في عمليات ضرب البنية التحتية المدنية الحيوية في العمق الأوكراني كبديل منخفض التكلفة للصواريخ العالية الدقة.(28)
4. ثمة عدد من الإشكاليات المرتبطة بالعامل البشري تعمل الطائرات المسيرة على تجنبها، ومنها ما يتعلق بالتكلفة السياسية، وردود الفعل الشعبية لفقدان أو مقتل عناصر بشرية في الحرب نتيجة تدمير وإسقاط الطائرات. وحتى على الجانب الاستطلاعي، تمكن المسيرات الجيوش من جمع المعلومات دون تعريض حياة العناصر البشرية للخطر، كما أن المسيرات قد توفر كفاءة قتالية تزيد عن الكفاءة البشرية بفعل العوامل التكنولوجية والذكاء الاصطناعي ودمج التقنيات الذكية فيها، فضلاً عن عامل التحمل ووقت الرحلة؛ فبينما تستطيع الطائرات المسيرة الطيران لنحو (20 ــ 25) ساعة، وتصل في بعض الأنواع إلى (60 ــ 70) ساعة إذا ما تم تزويدها بالوقود أثناء الطيران؛ فإن الطائرات المسيرة تعمل بكامل كفاءتها خلال تلك الساعات،(29) في حين لا يستطيع الطيارون البشريون تحمل ساعات طويلة من العمل والطيران، خاصةً إذا ما تضمنت عمليات مناورة وقتال؛ وذلك بالإضافة إلى تجنب الضغوط السياسية التي قد تنشأ بسبب عدم الرغبة في التورط في حروب واسعة، أو إرسال مقاتلين إلى ساحات المعركة، فتكون المسيرات وسيلة لتجنب تلك الضغوط وعدم إرسال مقاتلين إلى ساحات معارك بعيدة وعدم التورط عسكريًا بشكل كامل..
خاتمة
مقابل التطور والاستخدام المتزايد للطائرات المسيرة في العمليات الاستخباراتية والعسكرية، فإن ذلك يستدعي تطورًا مضادًا في آليات الدفاع والاعتراض، بالشكل الذي قد يفرض تحديات على عمل المسيرات في المستقبل، ومنها امتلاك قدرات كهرومغناطيسية أو أنظمة إلكترونية لتعطيل قدرة المسيرات على التنقل باستخدام (GPS)، ولاكتشاف وتعطيل الاتصالات بين الطائرات التجارية المسيرة ومشغليها والتشويش عليها، وتعطيل قدرتها على إرسال المعلومات، أو حتى تحطيمها. وفي حين أن معظم المسيرات تستغل صغر حجمها وبطء حركتها وانخفاض ارتفاعها لعدم اكتشافها وإسقاطها من قبل أنظمة الدفاع الجوي؛ فإن العديد من الدول تعمل على تطوير أنظمة دفاعية خاصة للمسيرات.
إنّ الطائرات المسيرة ليست فعَّالة بدرجة كبيرة ضد أنظمة الدفاع الجوي المتكاملة الحديثة التي تتميز بالرادارات الأرضية والمحمولة جوًا وأنظمة الاشتباك، وأنها لا تشكل تحديًا كبيرًا للرادارات الحديثة، فضلًا عن أن أنظمة الدفاع الجوي لا تزال قادرة على اكتشاف الطائرات المسيرة التي تحلق على ارتفاع منخفض من خلال نشر الرادار فوق الجبال أو الصواري العالية، أو حتى عبر الاعتماد على دوريات جوية. كما يذكر الجيش الأوكراني أنه من خلال تحسين تكتيكاته المضادة للطائرات المسيرة وصواريخ كروز، ارتفعت معدلات اعتراضه للطائرات المسيرة بشكل مطرد، وأنه اعترض ما بين 65% و85% من الطائرات المسيرة الروسية.
وقد دفعت الحرب الأوكرانية الكونجرس الأمريكي إلى توجيه وزارة الدفاع لتطوير نظام وقوة مضادة للطائرات المسيرة، وخصص لذلك ما يقرب من (750) مليون دولار، مع تجربة استخدام انفجارات جوية كبيرة أو نبضات كهرومغناطيسية لمواجهة أسراب الطائرات المسيرة الكثيفة، مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز القدرة على استهداف وتدمير الطائرات المسيرة، حتى تلك التي تهاجم ضمن أسراب؛ بحيث يتم مهاجمة كل مسيرة تلو الأخرى بشكل سريع، كما سجَّلت روسيا براءة اختراع لطائرة جديدة مضادة للطائرات المسيرة، تعمل على رش شظايا معدنية بشكل يواجه أسراب المسيرات، ويحمي الدبابات البطيئة الحركة والأهداف الثابتة.
المراجع
1.تناولت المعاجم الحديثة مصطلح «الطائرات بدون طيار» من الناحية اللغوية، نذكر منها، تعريف معجم لاروس بأنها «طائرة صغيرة، يتم التحكم فيها عن بعد، تستخدم لمهام مختلفة». أنظر: Larous dictionary drone (England, 2016), p. 519 وأما قاموس كامبريدج فعرفها بأنها «نوع من الطائرات غير المأهولة، لكنها تسير عن بعد». أنظر: Cambridge dictionary drone (England, 2016), p. 413. وعرفها قاموس أكسفورد بأنها «طائرة أو صاروخ بدون طيار، يتم التحكم فيها عن بعد. أنظر: Oxford dictionary (USA: 2010), P. 256.
2.Melzer Nils, Human rights implication of the usage of drones and unmanned robots warfare, European parliament, policy department, May 2013, p. 6. https://cutt.us/tWaoz.
3.ICO Unamed Aircraft Systems (UAS), the Secretary General, 2011, p. 7.
4. European Union Committe, Civilian use of Drones in the EU, 7th Report of session, 2014, P. 9.
5. Scott Crino and Andy Dreby, Drone Attacks Against Critical Infrastructure: A Real and Present Threat, Atlantic Council, May 2020.
6. مصطفى شفيق علام، الدرونز: الطائرات المسيرة في صراعات القوى الإقليمية بالشرق الأوسط، كراسات استراتيجية، العدد 319 (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ديسمبر ،2020)، ص 13.
7. A Brief History of Drones, Imperial War Museums. https://cutt.us/lxE6E,
8. Ryan Daws, AI enables ‘hybrid drones’ with the attributes of both planes and helicopters, United Kingdom, artificial intelligence News, July 15 2019. https://cutt.us/BfBlS.
9. This New Russian Spy Drone Looks a Lot Like an Owl, The Moscow Times, June 25, 2019. https://cutt.us/6i90A
10. MARCO MARGARITOFFJUNE, China’s Dove Surveillance Drone Looks and Flies Like an Actual Bird, The drive JUN 28, 2018. https://cutt.us/mu3wf
11. هشام الحلبي، تطور تكنولوجيا الطائرات من دون طيار وتأثيرها في الحروب والاستراتيجيات العسكرية، آفاق المستقبل، العدد 33 (أبو ظبي: ديسمبر 2019)، ص22..
12. Zach Campbell, Swarms of Drones, Piloted by Artificial Intelligence, May Soon Patrol Europe’s Borders, Transcend Media Service, 13 May 2019. https://cutt.us/o2Vfc.
13.DARPA Digging for Ideas to Revolutionize Subterranean Mapping and Navigation, Defense Advanced Research Projects Agency, 11/21/2017. https://www.darpa.mil/news-events/2017-11-21
14.إميل أمين، قراءة في «أوركسترا الدرونز»: سلاح الدول المارقة وأذرعها، سكاي نيوز عربية، 25 سبتمبر 2019. https://cutt.us/XyuSY
15. الأبعاد الاقتصادية لاستخدام الدرونز في الشرق الأوسط، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 7مارس 2017. https://cutt.us/otai3 .
https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item
16. ناجي محمد أسامه الشاذلي، التنظيم القانوني للطائرات بدون طيار (الطائرات المسرية): دراسة في إطار القانون الدولي الإنساني، مجلة روح القوانين، العدد 101 (القاهرة: يناير 2023)، ص 1054.
17. اأمينة خيري، لمن المسيرات اليوم؟ هوية «الدرونز» تحدد أخلاقيات الحرب، اندبندنت عربية، 5 مايو 2023.https://cutt.us/iKx7d
18. Ahmad Ghayad, Switchblade Drones Will Turn The Tide In Ukraine, Engineerine, January 12, 2023. https://cutt.us/YghMr
19. محمد بسيوني عبدالحليم، كيف تصاعد دور الدرونز في الصراع الأوكراني؟، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 14 مايو 2022. https://cutt.us/tUxgM
20. دروس «تسليح التكنولوجيا» في الحرب الروسية الأوكرانية، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية، 12 أبريل 2023. https://cutt.us/0szy8
21. نفس المصدر السابق.
22. محمد بسيوني عبدالحليم، مصدر سابق.
23. سوسن مهنا، الطائرات المسيرة: سلاح المستقبل، اندبندنت عربية، 9 أكتوبر 2022. https://cutt.us/uJuil 24. جيسون ليل، الطائرات المسيَّرة تزعزع استقرار السياسة العالمية، إندبندنت عربية، 13 أغسطس 2021. https://bit.ly/3sE7E7q
25. كيف تستخدم روسيا وأوكرانيا طائرات «كاميكازي» المسيّرة؟، بي بي سي عربي، 5 يناير 2023. https://cutt.us/Vfi51
26. Zachary Kallenborn, Seven (Initial) Drone Warfare Lessons From Ukraine, Modern War Institute, May 5, 2022. https://bit.ly/3sJGdsP
27. « نيويورك تايمز»: أوكرانيا تطور قنابل خفيفة لتدمير الدبابات الروسية، العربي الجديد، 8 يناير 2023. https://cutt.us/JzVQy
28. تعمُّق تحالف المصلحة: كيف تنظر الولايات المتحدة إلى التعاون الدفاعي الروسي-الإيراني؟، مركز الإمارات للسياسات، 20 يناير 2023. \https://cutt.us/ZkcvL
29.مستقبل الدرونز في منطقة المحيط الهندي والهادي، سوث24، 24 فبراير 2022. https://cutt.us/VZLAn