توطئة
صلاح الدين.. روميل.. مونتوغومري.. وغيرهم.. قادة سجل التاريخ أسماءهم، بعدما أثبتوا مهاراتهم القيادية على مسارح العمليات العسكرية.
ومنذ قديم التاريخ يحمل القائد العسكري، مسؤوليات قتال الأعداء، وحماية الأرض، والتي قد تتضافر في كثير من الدول مع مسؤوليات إدارة الأوطان، والتخطيط لتقدمها.
وانطلاقًا مما سبق؛ جاء اختيار كتاب: (الإدارة العسكرية والقائد والقيادة)؛ للوقوف على أهم متطلبات الإدارة العسكرية الناجحة، وسبل تأهيل قائد عسكري مبدع.
بين دفتي الكتاب
قسم الكاتب سفره الذي بين أيدينا إلى جزأين؛ الأول يتعلق بالإدارة ومفاهيمها ومتطلباتها بما في ذلك الإدارة العسكرية منها.
أما الجزء الثاني؛ فركز على مهام القائد نفسه، وتصنيف القادة، والتكييف بينهم وبين مرؤوسيهم، خصوصًا خلال عمليات القتال.
القسم الأول: الإدارة العسكرية
يشير الكاتب إلى أن بعض أساليب الإدارة عرفها الإنسان بالفطرة في بداياته قديمًا، منذ أن ظهرت التجمعات البشرية للأفراد في المجتمعات القبلية والقروية.
ويرجح الكاتب أن تنتمي الإدارة للفنون، أكثر من كونها علمًا من العلوم، نظرًا لمتطلباتها المهارية والفكرية والإنسانية.
ولفت إلى أن الإدارة لم يتم تحديد مفهومها نظرًا لتغيير المجالات المتعلقة بها؛ إلا أنه يتكون من ثلاثة عوامل رئيسة، وهي: البشر، وأسلوب العمل، والهدف.
وظائف الإدارة:
يجمل الكاتب وظائف الكتابة في أربع نقاط أساسية؛ هي:
1. التخطيط: وتعتبر الأهم بين الوظائف الأخرى؛ وذلك لأهمية تمتع القائد بالقدرة على التنبؤ بالمستقبل، وتعيين الأهداف المطلوبة، ووضع تصور لوسائل تحقيقها.
2. التنظيم: وتتركز على تعيين الأنشطة المطلوبة على أساس الخطة، وتعتمد على تنسيق العلاقات بين الإدارات والأفراد، عبر توزيع الصلاحيات والمسؤوليات والمهمات.
3. القيادة: وهي كوظيفة ترتبط بالدور الأساسي للقائد في تشجيع الأفراد وتوجيههم والتفاعل معهم.
4. الرقابة: عبر قياس نتائج العمل، والتقييم، للتأكد من سير الأمور بالشكل الصحيح.
ولابد من إدراك أن وظائف الإدارة متكاملة ومترابطة، كما تحتاج لتكييف بين التصورات النظرية والتطبيقات العملية.
* الإدارة العسكرية:
تحتل القيادة العسكرية أهمية خاصة برهنتها صفحات التاريخ؛ إذ أغلب أسباب فشل المعارك أو نجاحها كان يرجع لمدى دقة القيادة وإدراكها للموقف، وحنكتها في التخطيط، والتنسيق.
فالقائد العسكري، بالإضافة لما يتحمله من أعباء الإدارة، لابد من تحليه بمهارة عالية في التواصل مع الجنود والقطاعات المختلفة، وإدراك لكيفية استغلال الموارد المتوافرة البشرية والتسليحية منها.
ويعتبر علم القيادة العسكرية، قديم بمقدار قدم المعارك والحروب؛ إذ يشير التاريخ العسكري القديم إلى أن متطلبات القيادة تطورت مع تطور أنظمة الحروب ونظمها، وازدادت تبلورًا بعد الثورة الصناعية.
ويشير الكاتب في هذه النقطة، إلى أن الإدارة العسكرية ارتبطت ببلورة الإدارة العلمية ذاتها، والتي اتضح مفهومها بعد الثورة الصناعية، نظرًا لانعكاس التكنولوجيا على التغييرات في الأسلحة والتكتيكات والمنظمات.
ويرجع كثير من الباحثين في مجال الإدارة إرساء قواعد هذا العلم إلى الفرنسي هنري فانويل، الذي أعد دراسة عام1949م، لا تزال قواعدها تحت الاستعمال في المجالات العلمية والصناعية والعسكرية حتى الآن، والتي تضمنت مواضيع السلطة، والنظام، ووحدات القيادة…
وبالرغم من عمق دراسة فانويل؛ إلا أن الأغلبية يعتبرون كتابي: إدارة الورشات 1911م، ومبادئ الإدارة1919م، لمؤلفهما الأمريكي تيلر؛ أفضل ما كتب في هذا المجال.
وقد ساهمت دراسات تيلر في تطوير المفاهيم المتعلقة بالقدرة الإنتاجية، والزمن، والتكاليف؛ إلا أنها قد ركزت على الجوانب الفنية في القيادة أكثر من النواحي الإنسانية، بالرغم من أهمية التحفيز ورفع المعنويات لدى المرؤوسين في مجال العسكرية تحديدًا.
*مميزات الإدارة العسكرية:
اتضح مما سبق أن تطور العصر ودخول التكنولوجيا في كافة المجالات، جعل أنواع الإدارات في حالة من التكامل؛ وهو ما يتجلى في حالة القيادة العسكرية، التي تتضمن الإدارة الصناعية، والتكتيكية، والاستراتيجية، فضلًا عن اعتمادها على مهارات التحرك المادي والمعنوي.
وبالإضافة لمهام ووظائف الإدارة بشكل عام؛ إلا أن المجال العسكري يضاف إليه عنصر السيطرة، التي تعتبر أحد سمات التنظيم العسكري، لضمان التنفيذ بحسب الخطط والأوامر والسياسات لتحقيق الأهداف المحددة.
ومما لاشك فيه أن الطرق الفنية للإدارة تعتبر مقياسًا للقائد العسكري الناجح، والتي تشمل: اتخاذ القرار، وتحديد الأهداف، ووضع تصورات للتنفيذ، وإدارة المشروعات، وتوزيع المسؤوليات، ومنح الصلاحيات، والمتابعة ..وغيرها.
ــ وفيما يتعلق بالوظائف الإدارية؛ فتتميز بعض منها بتفصيل يتناسب مع المتطلبات العسكرية؛ فمثلًا: ينقسم التخطيط العسكري إلى(استراتيجي، وتكتيكي، وتنفيذي) بحسب الهدف المراد تحقيقه.
كما ترتبط عملية التخطيط العسكري، بشكل كبير على التنبؤ، والتي كلما قاربت الصواب زادت فرصة الاستجابة السريعة عند توزيع المهام.
أما الخطوة الثانية للتخطيط، تتمثل في التقدير عبر دراسة طبيعة المهمة وأهدافها، والإمكانات المتوافرة، وكيفية التنفيذ، والتحليل؛ وهو ما يوصل إلى الخطوة الثالثة وهي وضع الخطة التفصيلية.
وقد أورد الكاتب في هذه الجزئية تفصيل لكيفية دراسة الحلول، والمفاضلة بينها وتجنب السلبيات، وسبل الاقتصاد في الجهد والنفقات، وغيرها من مهارات الإدارة العسكرية.
ويقسم الكاتب التخطيط العسكري كما يلي:
1. خطة المناورة، (التمركز والحشد، وتحصين الأرض، وخطة النيران، والاستطلاع، والهجمات المضادة،، والاتصال والارتباط).
2. خطط العد، وتتضمن: (البحث عن المعلومات، والخداع والتمويه).
3. الخطط الإدارية، وتتضمن: (الخدمات الإدارية، والإعاشة والإمداد، وخطة السير، والإخلاء، والصيانة، والنقل والتحركات).
كما يعتبر التنظيم أحد الوظائف القيادية العسكرية الأساسية؛ عبر تحديد وحدات الهدف، وتنظيم القيادة وتحديد المسؤوليات، والمرونة وتجانس الأعمال وتفويض السلطات دون الإفراط في منح الصلاحيات.
وتتضمن عملية التنظيم، التسليح والتنظيم، وتوزيع الموار، وتحليل الواجبات والمسؤوليات، والالتزام بهرم القيادة.
وقد أسهب الكاتب فيما يتعلق بفنيات التنسيق، وكذلك مهامه؛ بالإضافة إلى بيان ما قد تتكبده القوات من خسائر نتيجة الإفراط في التوجيه التفصيلي، وأهمية إعطاء مساحة من الصلاحية الممكنة لتنفيذ المهام.
القسم الثاني: القائد والقيادة:
أولى الكاتب في هذا الجزء اهتمامًا أكبر بتفاصيل القيادة بوجه عام والعسكرية منها بشكل خاص، مشيرًا إلى أن القائد العسكري الناجح في عصرنا الحالي لا يمكنه بحال من الأحوال الاكتفاء بالعلوم العسكرية والاستراتيجية، ومبادئ الحرب والاستراتيجية.
ويجب أن يلمّ القائد العسكري، بعلوم النفس والاجتماع، والإنسان، بالإضافة إلى علوم الإدارة، فضلًا عن السمات الشخصية التي تؤهل بعض الأفراد للقيادة الناجحة.
ويشير الكاتب إلى أن الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ أعطت الفرصة لعلماء النفس لكي يعطوا معايير في تعيينات الضباط وترقياتهم، ومنذ ذلك الوقت ظهرت اختبارات النفسية، والذكاء، ومهارات التواصل وغيرها من شروط الالتحاق بالكليات العسكرية.
ويلفت إلى أن هناك فكرة مغلوطة عن القيادة العسكرية عبر تصويرها سلطوية بحتة، موضحًا أن النظام العسكري قد يكون أكثر صرامة في تدرج المسؤوليات والصلاحيات، والالتزام بتنفيذ المهام؛ إلا أن ذلك لا يعني عدم حاجته لمهارات التواصل.
ــ صفات القائد:
1. الاستقامة: فوضع مقدرات القوات المسلحة لأي بلد في يد من يوشك في استقامتهم، يعتبر تهديدًا لأمنها القومي.
2. المعرفة: وينبغي ألا تنحصر في حدود العلوم العسكرية فقط، بل لابد أن يدرك طبيعة المجتمعات، وعلوم الجغرافيا، وعلم النفس، وغيرها..
3. الشجاعة المعنوية والمادية: وبالرغم من أن هذه السمة لابد أن يتحلى بها أي رجل عسكري؛ إلا أنها لابد أن تكون أكثر بروزًا في القادة، سواء في الإقدام والبسالة، أو في الاعتراف بالأخطاء.
4. الاعتماد على النفس: ولا يعني ذلك تجاهل إمكانات الأفراد والقيادات التي يترأسها.
5. الحزم: وتعتمد هذه السمة على التدريب والخبرة، حتى تتمخض عن قرارات صحيحة.
6. الابتكار.
7. الصفات الأخلاقية، مثل: الحماسة، والجلد، وحسن المظهر، والإيثار، والإخلاص.
وقد عدد الكاتب بعض المعايير التي منها قد يقاس مدى نجاح القائد العسكري في مهمته، ومنها: الروح المعنوية لدى الأفراد؛ والانضباط في السلوك الفردي والعام، وقوة الوحدة القتالية والتسليحية، ومدى تطبيق أوامر القيادة.
ويتطرق الكاتب في هذا الجزء من الكتاب إلى مبادئ القيادة سواء التكتيكية أو الاستراتيجية، مبينًا بشكل تفصيلي أساليب معالجة التعامل مع الأفراد، ببراعة تنظيمية، بما يحقق إنجاز المهمة، ومصالح رجال الوحدة.
ويشير إلى أن معظم المطبوعات المهتمة بمهارات القائد ومهماته، أفردت تصنيفات معتمدة على الملاحظة والتأمل غير المنضبط أكاديميًا، ما أضعف من قيمتها في مجال الإدارة العلمية (والتي ضمنها القيادة العسكري).
كما أن مجال التكنولوجيا، وتطور الأسلحة أصبحوا من أهم عتاد القائد العسكري، في ظل الحروب الحديثة، بالإضافة إلى الإلمام بالتكتيكات، وأساليب أسلحة وصنوف القتال.
وفيما يتعلق برسم الخطط التكتيكية أو التنفيذية، فإنها تعتمد على استقراء العدو، وتجنب الأفكار التقليدية، وهو ما يوضح مدى أهمية جانب الإبداع لدى القائد العسكري العملياتي بشكل خاص.
وقد أفرد الكاتب صفحات لإيضاح دور المعلومات والاتصالات في المؤسسات العسكرية، وأهمية السيطرة عليها بشكل تام منعًا لأي اختراق محتمل.
كما تطرق إلى العلاقة بين القائد ورجاله في المعركة، وأهمية وجود نوع من المرونة، والتواصل الإنساني بما لا يشعر الجنود بأنهم آلات في يد القائد، وفي الوقت ذاته لا يسقط الهرم الوظيفي العسكري.
ومن نافلة القول؛ أن يدرك القائد العسكري أن مدى نجاحه في تنفيذ مهماته، ومدى قناعة جنود به، وتقدمه على أعدائه، يعتمد بشكل أساسي على ثقافته العسكرية، وتطوير آلياته أكاديميًا وتكنولوجيًا وتطبيقيًا.
بين السطور
ــ يعتبر الكتاب الذي بين أيدينا مرجع مهم لكل عسكري يتطلع للتميز؛ إذ يقدم معلومات أكاديمية متخصصة، بشكل مختصر وسريع.
ــ وبالرغم من ثراء المعلومات المقدمة بين دفتي الكتاب؛ إلا أنها افتقرت وبشدة لمزيد من التنظيم والترتيب، ما أفقد القارئ القدرة على تحصيل معلومة عنقودية مراتبة.
ــ وقع الكاتب في فخ التكرار الفكري واللفظي في كثير من أجزاء الكتاب، ما قد يوحي لبعض القراء بأنه اقترب من أساليب الحشو في الكتابة.
ــ بالرغم من وضوح فكرة المؤلف في توضيح مفاهيم الإدارة بشكل عام، وشرح القيادة العسكرية خصوصًا؛ إلا أن تقسيم الكتاب لم يخدم ذلك الفصل بشكل دقيق؛ إذ تضمن الجزء الثاني من الكتاب كثيرًا مما تم سرده في الجزء الأول.
ــ اكتفى الكاتب بالمراجع العربية فقط في تأصيل المعلومات، بالرغم من أن معظمها تم نشره منذ سنوات بعيدة.
ــ بالرغم من بعض النقاط المتعلقة بأسلوب العرض؛ إلا أن ذلك لم يحرم الكتاب قيمته العلمية والأكاديمية، خصوصًا في ظل ندرة المراجع العربية الحديثة في هذا المجال.