

د . عبد الرحمن بن غرمان الشهري
سفير سابق
يواجه الأمن القومي العربي العديد من التحديات والمخاطر العسكرية والسياسية والأمنية المتزايدة والمستمرة، التي تهدد أمن وسلامة دوله نتيجة لاستهدافه من قبل دول ومجموعات إرهابية خطرة، وكيانات خبيثة، وعليه تمثل سلامة وصيانة الأمن القومي أهمية قصوى، وأي اختراق لمنظومة الأمن القومي العربي، مهما كان بسيطًا، قد ينتج عنه آثارًا كبيرة ومدمرة على الوضع الأمني والاستقرار السياسي لكافة الدول العربية دون استثناء، حيث تواجه العالم العربي ومنطقته الجغرافية الحيوية تحديات بين عدة دول وتكتلات ومليشيات وجماعات إرهابية وكيانات، سواء لأسباب اقتصادية أو سياسية كتوسيع النفوذ وبسط الهيمنة. وكانت أبرز التحديات التي مرّ بها العالم العربي خلال العقود الماضية: الحرب العراقية الإيرانية، التي شكّلت منعطفًا تاريخيًا لما بعدها من تحولات في التحالفات والاستقطابات السياسية، والتغلغل الإيراني في العراق واليمن وسوريا، ثم حرب تحرير الكويت والحرب على العراق وسقوط بغداد، ومؤخرًا الدخول العسكري التركي إلى الصومال وليبيا وقطر، وتصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية التي عمّت كافة الدول العربية، وعددًا من الدول الأوروبية والأفريقية والآسيوية والولايات المتحدة الأمريكية، وبروز التحديات والتهديدات الإيرانية والتركية في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج.
منهجية دراسة المخاطر والتحديات
مع تزايد هذه التحديات والمخاطر وتفشي انعكاساتها وتنامي تأثيرها أصبح من الأهمية بمكان اتخاذ التدابير الضرورية الوقائية والعلاجية لمواجهة ذلك، انطلاقًا من الجوانب التالية:
١. رصد ومتابعة القضايا والمتغيرات السياسية والعسكرية والتهديدات الأمنية المستجدة، حيث تظل هذه الجوانب ذات تأثير على الأمن القومي لما ينتج عنها من تقلبات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
٢.تقييم المخاطر لتحديد درجة الخطورة بناءً على المبادئ الأساسية والثوابت المتعارف عليها، ومؤشراتها، ومنها: الرصد المستمر للعدوان، وأحداث العنف، والتصريحات العدائية… وغيرها.
٣. تأثير مخرجات عصر الثورة الصناعية الرابعة.
نبذة تاريخية
نشأ مفهوم الأمن الوطني والأمن القومي بعد معاهدة (وستفاليا) عام 1648م، التي رسخت مفهوم الدولة، وصاحب ذلك ظهور مصطلحات جديدة كاستراتيجية الأمن الوطني أو القومي إلى أن ظهرت في القرن العشرين هيئات ومؤسسات حكومية تعنى بهذا المفهوم، وأشهرها: مجلس الأمن القومي الأمريكي. ويدّرس الأمن القومي حاليًا في أقسام العلوم السياسية، ويعد فرعًا منها. ولم يحدد ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945م، مفهوم الأمن القومي بوضوح وتطرق للأمن الجماعي في المادة السادسة، والتعاون فى مجال الدفاع فى معاهدة الدفاع المشترك عام 1950م. وبعد حرب الخليج الثانية تم تأسيس القوة العسكرية المشتركة لدول الخليج العربي، وفي عام 1992م قامت جامعة الدول العربية بإعداد ورقة عمل حول مفهوم الأمن القومى العربي وهو: «قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها».
تعريف الأمن القومي العربي
الأمن: لغة أمن: الأَمْنُ: ضدُّ الـخوف. والأَمانةُ: ضدُّ الخِيانة. وفي التنزيل العزيز قال تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4)﴾ (سورة قريش). الأمن: «عدم توقع مكروه في الزمن الآتي، وأصله طمأنينة النفس وزوال الخوف، وعرّفه الجرجاني أيضًا بقوله: «الأمن عدم توقع مكروه في الزمان الآتي».
القوم: لغة منسوبة إلى قوم، وهم: جماعة من الناس تربطهم وحدة اللغة والثقافة والمصالح المشتركة. وبذلك يكون معنى الأمن القومي: عدم إلحاق مكروه وتوفير الطمأنينة لمجموعة من البشر تربطهم أواصر وصلات محددة.
أما إصطلاحًا فهو: الحفاظ على استقلال الدولة وسيادتها من الإضرار بمصالحها الجوهرية أو علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى ضد أي عدوان أو محاولة عدوان عليها. ومن هنا فإن الأمن القومي العربي ليس رديفًا للأمن الوطني، ونعني به الأمن القومي العربي لكافة الدول العربية وليس الأمن الوطني لكل دولة على إنفراد. ويعرفه والتر يبمان بأنه: «قدرة الدولة على تحقيق أمنها دون التضحية بمصالحها المشروعة تفاديًا للحرب، والقدرة على حماية مصالحها إذا ما اضطرت إلى الدخول في حرب». والأمن القومي كما تعرفه الموسوعة العربية فهو: «مجموع المفاهيم والإجراءات التي تعتمدها الدولة لممارسة سيادتها على أراضيها وصيانة مجتمعها وتراثها ضمن مجالاتها البرية والبحرية والجوية من أي تهديد خارجي وحماية مصالحها من الداخل والخارج، وضمان الحياة الحرة والآمنة لمواطنيها ولمن يعيش في حماها».
تحرير المفاهيم والمصطلحات
الدول الفاشلة: تعني عدم قدرة الدولة على القيام بواجباتها السيادية، وكلما عجزت عن ذلك، وكانت على وشك الانهيار كانت أقرب إلى الفشل.
الخريف العربي: أدى سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية إلى قيام عدة ثورات عربية شعبية عارمة في: (تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، والسودان) سميت بـ:(الربيع العربي)، إلّا أنها كانت على العكس من مباهج الربيع إذ قادت عددًا من الدول العربية إلى مسارات صعبة ومظلمة لا تزال عدد منها تعاني من ذلك الربيع المزعوم، وقادت إلى حروب أهلية في ثلاث دول عربية، هي: (سوريا، واليمن، وليبيا)، وأدت إلى حدوث انقسامات داخلية في عدد من الدول العربية.
الحرب الرقمية: حرب من نوع جديد تؤثر على القدرات الحيوية في الدول وقت السلم والحرب معًا، وتبدأ مع إعلان الحرب التقليدية بالتأثير على الإمكانات

العسكرية، وتدور عبر منصات إلكترونية، ويشكل فضاؤها كيانًا جديدًا في الدول يمكن تسميته بـ:(الفضاء الرقمي).
التغلغل: يعني السريان والانتشار داخل أي كيان أو شيء، وكسب حصة فيه أو منه، ومن ذلك تغلغل الجيش داخل أرض العدو والسيطرة عيها.
التمدد: يعني استخدام وسائل اقتصادية أو ثقافية بهدف بسط النفوذ عبر الاقتصاد أو الثقافة، وتجاوز المحيط الإقليمي.
التوسع: يعني مد التأثير السياسي والاقتصادي والثقافي.
الهيمنة: تعني سيطرة دولة على محيطها الإقليمي.
الأدلجة (التأثير العقدي) : فرض نظام معين من الأفكار والمعتقدات والرؤى والأفكار على مجموعة من البشر بهدف السيطرة عليهم، ورد كل التصرفات إلى هذا النظام دون تفكير أو وعي.
النفوذ: يعني امتلاك القدرة ضمن مجتمع معين، تمكن النافذ من تحقيق رغباته شرعية كانت أو غير شرعية. ويعرفه ماكس فيبر بقوله: «كل فرصة أو إمكانية ضمن العلاقات الاجتماعية تسمح للشخص بتنفيذ رغبته الخاصة حتى لو كانت ضد مقاومة ما».
الأذرع: كيانات أو أحزاب أو ميليشيات يتم أنشاؤها ودعمها داخل دول لتنفيذ أهداف استراتيجية أو عملياتية لصالح دولة أخرى، وأشهرها: (حزب الله) في لبنان، وميلشيات (الحوثي) في اليمن، وهو ما يطلق عليه الولاء.
الأنشطة الخبيثة: النشاطات المزعزعة للاستقرار، وإثارة الصراعات، ودعمها الانقسامات والانشقاقات الداخلية في الدول وإرسال الأسلحة، ودعم الكيانات المؤدجلة وتمويلها بعرض الهيمنة والسيطرة عليها.
التلويح باستخدام القوة: أداة من أدوات العمل الدبلوماسي والسياسي، واستخدامها أحيانًا يعني الرغبة في التفاوض، ويشكل في هذه الحالة وسيلة ضغط على الجانب الآخر في التفاوض، وأحيانًا يعني الرغبة في استخدام القوة والعنف لحل المسائل العالقة بين طرفين.
القوة والمصالح: القوة في أبسط صورها القدرة على التأثير في تصرفات الآخرين أو التحكم بها، ولا تشمل القوة الصلبة بل تشمل: الاقتصادية، وجمع المعلومات (الاستخبارات)، والدبلوماسية، والمكانة، والثقافة)، ومن أساليب تأثيرها: الإقناع، والمكافأة، والعنف، والحرب) لحماية المصالح الاستراتيجية للدولة: (الأمن السياسي، والوحدة الوطنية، والأمن والاستقرار، وتحقيق العدل والتنمية).
مصادر التهديد: تلك العوامل الداخلية المؤثرة على استقرار الجبهة الداخلية، أو الخارجية دولاً وكيانات أو جماعات يمكن أن تشكل خطرًا على الأمن القومي بزعزعة الأوضاع والأمن الإقليمي.
الطائفية: التعصب السياسي الأعمى بين منتسبي طائفة دينية أو فكرية ضد الآخر، بينما الطائفة مكون اجتماعي وديني داخل المجتمعات، ولا تشعر بالتميز عن الآخرين ويمكنها التعايش مع الآخر دون عنف أو إقصاء.
أبعاد الأمن القومي
سعى الإنسان منذ القدم إلى تحقيق أمنه الذاتي وأمن كيانه العائلي ومحيطه، ثم تطور المفهوم ليصل بنا الآن إلى مفهوم الأمن القومي ببروز الظاهرة القومية واندماج عدد من الكيانات والمجتمعات سياسيًا، ورسم الحدود لدرء المخاطر. ومن المصطلحات ذات الصلة في تاريخنا العربي فكرة العصبية عند ابن خلدون، التي يعدها بعض المفكرين العرب (الأرض، والتاريخ، والثقافة المشتركة، والمصالح المشتركة)، وحماية هذه العناصر هو ما يعبر عنه بالأمن القومي التي تقودنا في النهاية إلى ما يعرف بالهوية العربية، وهو ما أدى الى صياغة تعريف أوسع يتضمن جميع هذه الأبعاد، وتحديد مستويات متعددة له: (أمن الفرد نفسه، والأمن الوطني: (الأمن القومي، والأمن الإقليمي، والأمن الدولي أو العالمي)، وتنظم ذلك نظريات متعدده منها الواقعية التي ترى أن النظام الدولي يفتقر إلى غياب سلطة دولية مركزية آمرة، وأن أمن الدولة مسألة تكامل لحفظ أمن الفرد والجماعة، وهو ما أدى إلى ظهور الحرب الباردة، وتغير الاهتمام بالأمن القومي من الفكرة إلى السياسات ونشوء مجالس الأمن القومي أو الوطني في كثير من الدول بناء على ذلك. مع الغموض الذي يحيط بمصطلح الأمن القومي إلاّ أنه يبقى مفهومًا ذي دلالة وأهمية، وهو في أبسط صورة ومفاهيمه يعني الحماية من الهجوم الخارجي مما يلصقه بالقوة العسكرية، أما في صوره الأخرى فهو يتعلق بعوامل داخلية كالتنمية، وعوامل خارجية كصد العدوان، وفي أعقد صوره يتضمن عدة أبعاد: (اقتصادية وسياسية / دبلوماسية واجتماعية وثقافية وعسكرية)، ويكون ذلك قد مر بمرحلتين الأولى ذات صلة بالقوة العسكرية دون غيرها.
وبالتالي أصبح الربط بين سياسات ومفهوم الأمن الوطني من جهة والمصلحة القومية من جهة أخرى أداة تحليلية لفهم وتفسير السلوك الخارجي لأي دولة على الساحة الدولية ومع الفاعلين الدوليين، وكذلك عاملاً مهمًا في تقييم السياسة الخارجية لأي دولة أو كيانات سياسة كالجامعة العربية، وكذلك يصب الاهتمام على السلوك الداخلي للدولة، حفاظًا على كافة أبعاد الأمن القومي العربي، وهي:
البعد السياسي
ويشمل هذا البعد كل ما تتخذه الدولة من سياسات وإجراءات على الصعيدين الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الداخلي: تحصين الجبهة الداخلية، وتعزيز الوحدة الوطنية. أما على الصعيد الخارجي، فيشمل تقدير المخاطر والتهديدات الإقليمية والدولية على أراضيها ومواردها وقيمها، وعند حدوث التطابق في الرؤى تكون العلاقات بين الدول متميزة وراسخة ومنسجمة، وعند حدوث التعارض يبرز الصراع أو تعارض المصالح، وهو ما يحدد جميع الأولويات في التخطيط الاستراتيجي للأمن القومي ودفاعاته.
البعد الاقتصادي
يهدف البعد الاقتصادي إلى توفير كافة احتياجات المواطنين وتحقيق التقدم والازدهار للمجتمع، وتحقيق النمو الاقتصادي والحضاري، وتقديم المساندة وبناء الصناعات، ورفع مستوى التجارة لتعزيز الأمن القومي.
البعد الاجتماعي
يهدف البعد الاجتماعي إلى توفير السكينة والطمأنينة للمجتمع مما يرسخ الانتماء والولاء وتعزيز الوحدة الوطنية والقضاء على البطالة، وتوفير المتطلبات الأساسية كالمسكن والغذاء والتعليم والصحة.
البعد العسكري
بناء قوة عسكرية مطلب مهم للأمن القومي لتحقيق التوازن الاستراتيجي وردع وصد أي عدوان خارجي عبر الاحتفاظ بجاهزية عالية وكفاءة دفاعية لحماية حدودها، والقوة العسكرية أداة رئيسة في تنفيذ السياسة الخارجية للدول تليها القوة الاقتصادية، وهذا البعد هو ما يميز الدور القيادي لأي دولة عن أخرى.
البعد الثقافي
يهتم البعد الثقافي بحماية المعتقدات والعادات والتقاليد والقيم، وهو من مصادر القوة الوطنية في مواجهة التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية وإليه يرد متانة وصلابة قيم كل مجتمع، وهو ما يلعب دورًا مهمًا في تحصين الجبهة الداخلية، والوقوف مع الوطن خلال أي صراع أو مواجهة عسكرية.
عناصر (مرتكزات) الأمن القومي
الأمن القومي العربي هو القدرة على توفير الظروف المناسبة لتأمين الدول العربية داخليًا وخارجيًا، ومواجهة جميع المخاطر والتحديات للحفاظ على كيانها وبقائها، ويشمل استقرار جميع أنظمة الحياة: (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية)، ويرتكز على العوامل التالية:
أ. الموقع الجغرافي
يمتد الوطن العربي في قارتين: آسيا وأفريقيا من المحيط الأطلسي غربًا إلى الخليج العربي شرقًا، ويطل على ثلاثة بحار تتصل بطرق الملاحه العالمية، ويتمركز في أكثر المناطق استراتيجية في العالم، وتبلغ مساحته (13,487,814).
ب. العنصر البشري
قدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن تعداد سكان العالم العربي يبلغ (377) مليون نسمة عام 2020م، وأن نسبة الشباب من عمر (10) سنوات إلى (24) سنة حوالي 28%.
ج. العنصر السياسي
تشكل الدول العربية بإمكاناتها تكتلاً سياسيًا كبيرًا بعدد السكان والموقع الجغرافي والموارد الطبيعية، والدول العربية لها مكانة تاريخية، ويمكن أن تشكل صوتًا مسموعًا في المحافل الدولية والمنظمات الدولية بتنسيق المواقف.
د. القوة
يمتلك الوطن العربي جميع عناصر القوة (الصلبة والناعمة)، وثروات طبيعية هائلة وقدرات بشرية، وموقع جيوسياسي استراتيجي.
ه. العنصر الاقتصادي (الموارد الغذائية/ المعدنية/ الصناعية)
يتميز الوطن العربي بتنوع الموارد الاقتصادية كالنفط والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والموارد البشرية والصناعة والمعادن، ويمكن لدوله تحقيق تكامل اقتصادي يضاهي الاقتصادات العالمية.
و. العنصر العسكري
مجموع القوات العربية المسلحة ــ الجيوش ــ يجعلها في أحد المراكز المتقدمة بين جيوش العالم (3-5)، ويتجاوز عددها أربعة ملايين مقاتل حسب بعض الدراسات، وتمتلك معدات وأسلحة قتالية هائلة: (برية وجوية وبحرية وصاروخية)، وتعدّ الدول العربية عالميًا من أكثر الدول إنفاقًا على جيوشها.
مخاطر الأمن القومي العربي ومهدداته
المخاطر والتهديدات الداخلية
تكمن المخاطر الداخلية في: عدم الاستقرار والإرهاب، وتدني دخل الفرد مما يولد الإحباط لدى أفراد المجتمع، وبالتالي التطرف، ثم الاستعداد للقيام بعمليات إرهابية، ووجود جماعات مؤدلجة كالإخوان المسلمين أو ممارسات الطائفية المدعومة خارجيًا، وانتشار الجريمة بشكل مقلق، وظهور مؤشرات على تنامي معدلات الجريمة المنظمة في مجالات عديدة ( تهريب المخدرات وغسل الأموال والتهريب).
المخاطر والتهديدات الخارجية
الدور الإيراني:
يقوم النظام الإيراني بتصرفات مشينة لا تنتمي إلى سلوكيات الدول المتحضرة بأي شكل من الأشكال، فهي لا تعير اهتمامًا للجوار أو الدين أو القانون الدولي، وتتصرف بعقلية شريعة الغاب البائدة ظنًا منها أنها ستحقق نجاحًا بينما هي أقرب إلى الفشل منها إلى التقدم والازدهار والبعد عن الاهتمام بشعبها. وفيما يلي بسط لأهم البرامج والأدوات التي توظفها إيران في تنفيذ سلوكياتها المندد بها إقليميًا وعالميًا.

البرنامج النووي والصاروخي الإيراني:
نشأ البرنامج النووي الإيراني في خمسينيات القرن العشرين كجزء من برنامج الذرة للسلام، وشاركت فيه الأمم المتحدة وعدد من الدول الغربية حتى اندلاع الثورة عام 1979م. اكتمل بناء أول مصنع للطاقة النووية بمساعدة روسية عام 2011م، وفشلت إيران بشكل منهجي في إثبات سلامة البرنامج النووي من التوجه نحو إنتاج الأسلحة النووية، مما يعني تحول برنامجها للتخصيب إلى أغراض غير سلمية، وقامت عدة مبادرات دبلوماسية لحل الغموض حول برنامج إيران النووي إلا أن تلك المبادرات لم تصل إلى نتيجة مؤكدة حول التزام إيران بمستوى التخصيب المحدد للاستخدامات المدنية أو كمية التخصيب، وأصدر مجلس الأمن ستة قرارات بوقف نشاطات تخصيب اليورانيوم وحظر نشاطات القذائف الصاروخية، ولم تذعن إيران لأي منها، كما أن نتائج زيارة رئيس المنظمة الدولية للطاقة الذرية مؤخرًا (2020م) لم تكن إيجابية، ونظرًا لعدم التزام إيران بتعهداتها في الاتفاق النووي لعام 2015م، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق لعدم توفر الأدلة الكافية على سلامة البرنامج من خطط التسلح النووي، إضافة إلى تطوير إيران صواريخ باليستية يمكنها حمل رؤوس نووية، وهو ما يعد تهديدًا للسلم والأمن في المنطقة والعالم.
التدخل في شؤون الدول العربية
الممارسات والنشاطات والتحركات والتجاوزات والعمليات الإرهابية وأعمال التجسس داخل الدول العربية أدت إلى قيام عدد من الدول العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، ومنها٬ جمهورية مصر العربية، والمملكة المغربية، ومملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية، والسودان، وجمهورية جيبوتي، وجمهورية الصومال، كما خفضت عدد من الدول العربية مستوى تمثليها معها، وأغلقت السودان أكثر من (20) مركزًا ثقافيًا كانت بؤرًا للتجسس وأعمال لا تتفق مع الطبيعة الدبلوماسية للمكاتب الثقافية. ووسائلها في بسط الهيمنة تفاصيلها الموجزة في التالي:
التمدد الإيراني أصبح ظاهرًا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوربا وآسيا، ومن ذلك العلاقات الاقتصادية مع فنزويلا، وتصدير النفط الإيراني إليها بالرغم من أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وكذلك استخدام الإرهاب في الارجنتين بتفجير المعبد اليهودي في (بوينس ايرس).
التغلغل: من الناحية السياسية تقوم إيران بالدخول إلى الدول العربية عبر البوابة الدبلوماسية، وتعيّن سفراءها من الحرس الثوري، وتبدأ السيطرة على مفاصل الدولة المستهدفة، ومن ثم تغيير الهوية الوطنية بهوية وطنية جديدة تتوافق مع رؤية القائم على التغيير باستخدام الثقافة أو الطائفة المتعصبة، وفي النهاية، وعبر حقب زمنية متتالية وطويلة إحداث تغيير جوهري في الهوية عبر عدد من الأزمات المختلقة والمخطط لها، والتي لا تظهر للعيان، بل ويتم العمل على إظهار تلك الأزمات كحراك داخلي (الخلاف بين السنة والشيعة)، وهو الأسلوب الذي تستخدمه في العراق واليمن وسوريا ومحاولاتها الفاشلة في مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية. وكذلك التحركات الاستراتيجية التي تقوم بها تركيا، وخصوصًا في محيطها الإقليمي وطلبها علنًا الإفراج عن الإخوان المسلمين المعتقلين في السجون المصرية، وهي تحركات استراتيجية متعدد الأدوار باستخدام أدوات مختلفة كالسيطرة الاستراتيجية البحرية وإنشاء قواعد عسكرية في الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، ومحاولاتها الفاشلة في السودان (جزيرة سواكن)، والدخول بشكل علني في الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان ودعمها عسكريًا لأذربيجان ضد أرمينيا، التي تدعمها على الجانب الآخر إيران
التوسع: تحركات إيران في الإقليم متعددة ومتنوعة، ودعمها النظام السوري ماديًا وعسكريًا والجماعات الإرهابية في العراق ولبنان واليمن، أمثلة واضحة على التدخل في شؤون الدول العربية بشكل سافر، ويوزايه أيضًا التدخل التركي في سوريا وقطر وليبيا والعراق والصومال، مما يُولد وينتج تهديدات متعددة وتفاعلات إقليمية مؤثرة على الأمن القومي العربي.
الدور التركي:
تتسم علاقات تركيا بالتوتر في كل إتجاه، وهي أشد توترًا مع الدول العربية سيما وأنها تدعم الإخوان المسلمين، وهو نهج استخدمته إيران أيضًا، وهذا التخبط الذي تقوم به تركيا والتدخلات العسكرية في العراق وسوريا وليبيا وقطر، وكذلك دعمها للجماعات الإرهابية وإيواء قادتها، وإرسال المرتزقة إلى مناطق النزاع والتوترات، وإنشاء قواعد عسكرية في الصومال وغيرها يدل على توجه سياسي خطير لتركيا سيؤدي في النهاية إلى الإضرار بمصالحها المعتبرة، ورفع مستوى التوتر بينها وبين الدول العربية، ويمكن رصد نتائج هذه التوجه الاستراتيجي وسعي تركيا معه إلى مدّ نفوذها وسيطرتها وهيمنتها على عدد من الدول العربية ليبيا ــ مثال لذلك ــ سعيًا منها للوصول إلى النفط، وكذلك نزاعها مع جمهورية مصر العربية بشأن التنقيب عن النفط شرق المتوسط في الجانب الاقتصادي، وهو ما يشكل خطرًا داهمًا على الأمن القومي العربي عبّرت عنه مصر بالخط الأحمر.
الدور الإسرائيلي:
امتلكت إسرائيل مفاعلاً نوويًا وسلاحًا نوويًا من خمسينيات القرن الماضي، وهو ما خلق موقفًا استراتيجيًا معقدًا، وهي خامس دولة نووية في العالم وحالة الحرب بينهما وبين عدد من الدول العربية لا زالت قائمة. وتمتلك جيشًا مدربًا وتقنية متقدمة في مجالي الأمن والدفاع. وقد لجأت إسرائيل مؤخرًا، وبتنسيق أمريكي، إلى السلام مع عدد من الدول العربية، وتطبيع العلاقات معها، إضافة إلى قيام علاقات دبلوماسية مع أغلب دول الطوق ومفاوضات معلنة مع لبنان لترسيم الحدود، وهو ما يحد آنيًا من خطورة الدور الإسرائيلي.
ولم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات واضحة حيال هذه المخاطر والتحديات ومصادر التهديد، والتزم الصمت حيالها، ويتضح ذلك جليًا في استخدام الفيتو في مجلس الأمن لاعتبارات سياسية ومصالح اقتصادية، وبالنسبة للموقف من إيران، فإن أبرز المواقف هو الموقف الأمريكي الواضح ضد تصرفات إيران وسلوكياتها المزعزعة للاستقرار والأمن في المنطقة والعالم، وهو موقف ساهم في الحد من خطورة النظام الإيراني على الأقل في المرحلة الراهنة بفرض العقوبات الاقتصادية عليها، وحظر بيع الأسلحة الى ايران وفرض عقوبات اقتصادية على ايران وعدد من الكيانات التي تدور في فلكها أو الكيانات الداخلية الداعمة للإرهاب كالحرس الثوري وعدد من الشركات والبنوك الايرانية .
العدوان المسلح
مع إتجاه المجتمع الدولي نحو استقرار مفاهيمه المتعلقة بالحرب بدأت تظهر تعاريف للحرب ودراسات تحدد طبيعة الأفعال لكي تعد عدوانًا بالمفهوم الدولي، وفيما يلي استعراض لتعريف العدوان، وطبيعة الأفعال التي تعد عدوانًا، العدوان هو:«استعمال القوة المسلحة من دولة ضد سيادة أو سلامة الأراضي أو الاستقلال لدولة أخرى، أو استخدام القوة بأي صورة أخرى لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة». وهو يؤكد مبدأ السيادة، وأن الاعتداء يكون على سيادة الدولة واستقلالها، أما الأفعال التي من قبيل العدوان فهي احتلال جزء من إقليم الدولة أو مهاجمته أو القصف لإقليم دولة أخرى أو سد المنافذ البحرية للدولة أو مهاجمتها براً أو جوًا أو السماح باستخدام إقليم دولة لمهاجمة دولة أخرى أو السماح للعصابات بذلك. وشن الحرب مع توافر أركانها الأساسية التالية :
1. الركن المادي لجريمة الحرب:
هو حدوث اعتداء مسلح لإقليم أو دولة على أخرى جوًا أو بحرًا أو برًا، كما حدث في الحروب العربية الإسرائيلية مثلاً، بغض النظر عن الباعث إلى هذه الحرب أو تلك. والحرب هي أخطر أنواع الجرائم التي تقع على أمن دولة خارجيًا، بل إنها تهدد كيانها كله واستقلالها وسيادتها.
2. الركن المعنوي:
وهو يتكون من عنصرين هما: (العلم والإرادة) سواء أعلنت الحرب بين الدولتين، أو قامت دون إعلان، بغرض استخدام القوة بين دولتين بشكل غير مشروع، حتى وإن كان بطريق الخطأ.
ثم كان لقيام الحرب العالمية الأولى أثر كبير في صياغة قواعد الحروب واتفاقياتها منها (لائحة لاهاي) (في شأن الحرب الجوية 1932م)، وبروتوكول (جنيف) (في تحريم الغازات السامة والبكتيرية 1935م)، اتفاقيات مرضى الحرب والأسرى 1939م).
وفي عهد (عصبة الأمم) وضعت القيود والاتفاقيات التي تحظر استخدام الحرب، ولكننا لم نجدها تقدم نصًا صريحًا لحق اللجوء إلى القوة والحرب لعمل فرض جبري على الدولة الأجنبية، فأبرمت ميثاق (بريان كلوج) 1928م.
وفي الفترة بين الحربين العالميتين، ثم بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت جهود ضخمة لتدوين قواعد وقوانين الحرب من خلال (منظمة الأمم المتحدة). إذن، فقد قامت الجماعة الدولية بجهود ضخمة لتحجيم استخدام القوة أو التهديد بها في تسوية النزاعات، سواء في (عصبة الأمم) أو في (منظمة الأمم المتحدة).
حروب المستقبل
يصعب على أي دولة في العالم التنبؤ أين ستخوض حربها القادمة، وفي هذا السياق يقول وزير الخارجية الأمريكية روبرت قيتس (Robert Gates): «إن جميع التحليلات فشلت في تحديد الحرب القادمة للولايات المتحدة لعدة عقود، وإن التحدي هو معرفة الحرب القادمة وأدواتها نظرًا للتقدم التقني والخطط العسكرية». تشير التقارير العسكرية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية توصلت إلى أن حربها قبل خوض حرب فيتنام ستكون حرب شاملة باستخدام الأسلحة التقليدية أو النووية ضد الإتحاد السوفيتي في أوروبا.

الحروب الرقمية
تكمن التحديات في التنبؤ بمستقبل الحروب وأنواعها على ضوء المتغيرات الدولية المتسارعة في المجال السياسي والعسكري والاقتصادي والجغرافي والقانوني، والتقدم التقني في مجال الصناعات الإلكترونية والتحكم بها عن بُعد والذكاء الاصطناعي، والتي ستكون غرف العمليات الخاصة بقيادتها في الفضاء الإلكتروني، وتتحكم بها أجهزة الكمبيوتر (بيئة القيادة الافتراضية)، وستلعب الهجمات السيبرانية دورًا بالغ الأهمية في الحروب القادمة في ثلاثة مجالات: (الميدان الافتراضي، والتحكم به، والذي سيكون بدوره هدفًا للهجمات، والمجال الثالث هو التخريب السيبراني ) ، يحكم مؤشرات التنبؤ بالحرب القادمة على مستوى العالم قدرة الخصوم وتحديث برامجها العسكرية والالكترونية منها على وجه الخصوص.
.دخلت صفة التفوق على الأسلحة التقليدية عبر تقنيات الكترونية بداءت بأجهزة الرؤية الليلية ورصد تحركات العدو، وتحديد الأهداف وضربها بدقة عالية من مسافات قد تتجاوز عدة كيلومترات ،وتستطيع القيادة العسكرية باستخدامها مراقبة ميدان المعارك عن بُعد في وقت حقيقي بعرض صور الأقمار الاصطناعية مع القدرة على تمييز معدات العدو وتعليمها بلون أحمر ليسهل استهدافها من قبل القوات في الميدان القريب أو عن بُعد بالصواريخ الموجهة بمساعدة الطائرات بدون طيار أو الأقمار الاصطناعية، إضافة إلى تحييد مخاطر الأسلحة الكيمائية أو البيولوجية بنشر مواد كيمائية تحد من خطورتها. وعلى الجانب الهجومي سيكون التفوق مؤكدًا في استخدام الطائرات أو الصواريخ الموجهة من الفضاء أو القوارب المسيرة عن بعد والتي قام التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن من تدمير عدد كبير منها ، وقامت ايران باستخدامها لمهاجمة المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية.
الحرب الرقمية العالمية الأولى
الحرب الرقمية العالمية الأولى عند نشوبها ستكون مزيجاً من القوات التقليدية (البرية – البحرية – الجوية – الدفاعات الأخرى) من جهة و أنظمة التحكم والمراقبة والسيطرة وتحديد الأهداف وضربها ( الحرب الإلكترونية). ومن ضمن أدواتها أيضًا تعطيل الخدمات العامة في أي دولة ومن أي مكان في العالم. مما سوف يقلص إمكانات الأسلحة التقليدية والجيوش وما تحتاجه من خدمات لوجستيه وتموين ووقود ونقل وغيرها.
أما المرحلة المتقدمة فستكون حربًا لا مكانية يسود فيها الرصد وتحديد الأهداف وقصفها دون تدخل بشري بعد صدور اتخاذ القرار السيادي بإعلان الحرب على أي دولة.
الهجمات السبرانية
تعني القيام بالدخول إلى البرامج والشبكات بطرق غير مشروعة واختراقها وهي من مخرجات الثورة الصناعية الرابعة، وأصبحت تستخدم مصطلحات عسكرية وأمنية: كالهجوم السبراني، والردع السبراني والجريمة السبرانية. وأول هجوم من هذا النوع هو هجوم (ستوكنت) على المنشآت النووية الإيرانية عام 2010م، وظهر في فترة ليست بعيدة من ذلك ما يعرف بـ:(الجيوش الإلكترونية أو السيبرانية) ونفذ الجيش الإلكتروني الإيراني هجومًا على شركة أرامكو السعودية عام 2012م وضد الولايات المتحدة وإسرائيل. من مهام الجيوش الإلكترونية توجيه رسائل ردع، ورفع مستوى الضغوط على النظم العسكرية والجيوش النظامية، وأخطر الهجمات أو الحروب السيبرانية هي تلك الموجهة ضد أنظمة البنية التحتية والخدمات العامة والعبث بأنظمة القيادة والسيطرة فيها وشلّ وتعطيل الخدمات، مما سيؤدي إلى اضطراب مجتمعي هائل.أصبحنا الآن في بداية مرحلة جديدة من الحروب اللامكانية هي الحروب السيبرانية التي سيزداد خطرها وتتفاقم آثارها مع التقدم التقني والتكنولوجي الذي يشهده العالم، وهذا النوع من الحروب ليس حكرًا على أحد سواء أكان دولة أم جماعة أم فردًا، ويمكن لأي شخص من أي مكان في العالم القيام بهجوم من هذا النوع وهذا مكمن الخطورة. ويقابل ذلك في الجانب الدفاعي ما يعرف بالأمن السيبراني المتخصص بحماية الأنظمة والممتلكات والبرامج من الهجمات الإلكترونية عبر مجموعة من الوسائل والتدابير، وأحدث فروع الجيوش حاليًا هو قوات الفضاء الأمريكية التي تم إنشاؤها مؤخرًا.

الإرهاب
شاعت الجرائم الإرهابية, ونشأت وتشكلت الجماعات الإرهابية في الوطن العربي بشكل لافت خلال الأربعة عقود الماضية لدرجة تهديد العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد، وأصبح الإرهاب ظاهرة ملموسة على امتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج, وتعددت وسائل تنفيذ العمليات الإرهابية باستخدام وسائل العلم والتقنية الحديثة. وعلى الرغم من وجود إتفاق تام بين الدول والجماعات القانونية في المجتمع الدولي بأن الإرهاب ليس وسيلة أو غاية تستخدم في ا لتيارات السياسية الرئيسة، ولا تقرّه الأديان السماوية أو الدول أو هيئة الأمم المتحدة ولا العرف أو القانون الدوليان، إلا أنه وبصفة عامة، وعلى المستوى الدولي والإقليمي، أصبح ظاهرة حقيقية خطيرة من ظواهر القرن الحالي والماضي في كثير من مناطق العالم، وتفشي في العالم ضاربًا بجميع المبادئ الدينية والأخلاقية والقيم الإنسانية والدولية جانبًا. ويمكن تعريف الإرهاب بأنه: استعمال القوة أو التهديد باستعمالها لغرض تحقيق مطالب سياسية.والإرهاب بصفة عامة هو: استخدام العنف غير الشرعي أو غير القانوني أو التهديد به بطرق ووسائل متعددة تتخذ أشكالاً وصورًا متعددة، وهو في حد ذاته عمل تعسفي ينتهك الشرعية وحقوق الدول وسيادتها، وحقوق الإنسان وحضارته، لذا فهو خطر مباشر يهدد مصائر الشعوب وأمنها واستقرارها وتقدمها الحضاري.
تأثير الإرهاب:
إن الإرهاب بما وصل إليه في عصرنا الحاضر من براعة في التنفيذ والدراسة والتخطيط والاختيار المتميز والمدروس للأهداف الحيوية للعمليات الإرهابية، وما وصل إليه أيضًا من التطور والانتشار السريع المذهل حتى أصبح مشكلة حقيقية تعاني منها معظم شعوب العالم لاختلاف أنواعه وأشكاله، فأصبحت تعقد من أجله المؤتمرات والاجتماعات والندوات الأمنية التي تناقشه كظاهرة خطيرة تهدد أمن الشعوب والمجتمع الدولي أجمع، وتدرس هذه الظاهرة وتعدّ الخطط الأمنية اللازمة لمكافحتها ولما تسببه من زرع الخوف والرعب بين الأفراد والجماهير في جميع أنحاء العالم، وهذا يدل بوضوح على جسامة هذه الظاهرة ومدى تأثيرها على مستوى الحكومات والشعوب، ولاختلاف تأثير الإرهاب فسنتطرق إلى تأثيره السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي والأمني في الآتي:
أولًا: تأثير الإرهاب السياسي:
بلا شك أن للإرهاب تأثيره السياسي المباشر، فقد أدّى إلى زرع الحقد والكراهية، وعدم الثقة بين الشعوب والحكومات، فأدى إلى قطع العلاقات الدولية بين بعض شعوب وحكومات العالم. كما أن الإرهاب له تأثيره المباشر في قيام الثورات المعادية لحكومات بعض الشعوب وأدى إلى تمزق هذه المجتمعات وضعفها وقادتها إلى مشاكل داخلية وخارجية كثيرة ومتعددة. ومن تأثيراته أيضًا: قيام حروب بين بعض البلدان بحجة مطاردة الإرهابيين والقضاء عليهم، وأن هذه الشعوب هي التي تساند الإرهاب وتستعمله ضد حكومات بعض الشعوب. كما أن الإرهاب أدى إلى الحركات والتيارات التي تظهر بمظهر الوطنية وتتصدى لقيادتها وتخطيطاتها.
ثانيًا: تأثير الإرهاب الاقتصادي:
إن من تأثيرات الإرهاب السيطرة على الاقتصاد وهدم أسسه، فهناك الكثير من العمليات الإرهابية الموجهة ضد المنشآت الحيوية، كالمصانع، والممتلكات الخاصة والعامة، التي تؤدي مباشرة إلى أضعاف الاقتصاد لمجتمع ما، مما يؤدي إلى سوء الأحوال الاقتصادية، والمعيشية لهذا المجتمع ناهيك عن المشاكل الأخرى التي تؤدي به إلى التأخر في جميع مجالات الحياة.
ثالثًا: تأثير الإرهاب الاجتماعي:
يؤدي الإرهاب إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المجتمعات التي تعاني منه، ونتيجة لذلك، وخاصة في المجتمعات التي تعاني من تعدد الديانات واختلاف المذاهب والعادات والتقاليد، فإن الإرهاب يجدها مكانًا خصبًا لزعزعة الأمن، والاستقرار في هذه المجتمعات واستغلال هذه الفروق الاجتماعية في زرع الحقد بين فئاته. والإرهابيون يخططون بدقة لتنفيذ عملياتهم الإرهابية ضد هذه المجتمعات لإثارة المشاكل الداخلية لهذا المجتمع، بل وإيهامه بعدم قدرة السلطة لهذه الشعوب على استتباب الأمن مما يولد الخوف والرعب بين أفراد المجتمع.
الفكر الاستراتيجي العربي في مواجهة الإرهاب
شاعت الجرائم الإرهابية في الدول العربية مؤخرًا، ولا شك أن هذه الجرائم، وإن لم تكن وليدة اليوم وإنما لها جذور موغلة في القدم على طول امتداد تاريخ الدول العربية، إلا أنها أخذت أبعادًا جديدة في العصر الحديث تستوجب مكافحتها. وقد اهتم العلماء والمختصون بهذه الجرائم ودراسة أسبابها، وكان لابد للدول العربية من اللجوء للتخطيط والفكر الاستراتيجي لمواجهتها، وقد ظهرت بوادر ذلك في التعاون الأمني العربي لمكافحة الإرهاب، وقد مرّ ذلك بعدة مراحل هي:
1. مدونة طوعيه لسلوك الدول العربية تجاه الإرهاب. أكدت الدول العربية فيها التزامها بالمبادئ الدينية والأخلاقية والإنسانية، وأبدت القلق الذي يساورها من استمرار الأعمال الإرهابية، وأظهرت الحاجة إلى مكافحة تلك الأعمال وإيمانها بتقوية التعاون الأمني وانعكاساته في مجال الأمن العربي، كما دعت إلى التمييز بين الإرهاب والنضال المشروع للشعوب، واتفقت على إدانة الأعمال الإرهابية، وتعزير التعاون وتبادل الخبرات العلمية، والتزمت بعدم القيام أو الشروع في تنظيم الأعمال الإرهابية، ومنع استخدام أراضيها مسرحًا لتلك العمليات، وتطوير الأنظمة المتعلقة بالرقابة على الأسلحة والذخائر وتعزير الأنشطة الإعلامية. واعتمدت ذلك بموجب قرار مجلس وزراء الداخلية العرب رقم (271)، عام 1996م.
2. الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب. اعتمدت بموجب قرار مجلس وزراء الداخلية العرب رقم (282) عام 1997م، وتعتبر بمثابة القاعدة الأساسية للتعاون ضد الأعمال الإرهابية، وترتكز على جملة من المنطلقات، تشمل: أن أعمال العنف التي تسبب فزعًا هي أعمال إرهابية، واستثنت الكفاح المسلح للشعوب القابعة تحت الاحتلال، وأن المبادئ الدينية والأخلاقية للأمة العربية تنبذ الإرهاب، وأن تدعيم أمن الوطن العربي واستقراره يستوجب تعزير التعاون بناءً على مبادئ القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات. كما تهدف الاستراتيجية إلى تحقيق الأهداف التالية: (مكافحة الإرهاب وإزالة أسبابه، وتدعيم الحفاظ على أمن واستقرار الوطن العربي، وتدعيم الحفاظ على أسس الشرعية والقانون، وتدعيم الحفاظ على أمن الفرد واحترام حقوق الإنسان، وتدعيم الحفاظ على أمن وسلامة المؤسسات والمرافق العامة في الدول العربية، وإيضاح الصورة الحقيقية للإسلام والعروبة، وتعزير وتطوير التعاون بين الدول العربية، وتوثيق التعاون مع الدول والمنظمات من أجل مكافحة الإرهاب).
كما احتوت الاستراتيجية على مجالات ومقومات في مجال السياسة الوطنية في مجال الأنظمة بزيادة دعم الدولة للأسرة وإدخال القيم الروحية والأخلاقية في المناهج وتنمية الوعي العام لدى المواطنين. وفي مجال المكافحة عدم الاشتراك في الأعمال الإرهابية والحيلولة دون استخدام أراضي الدولة مسرحًا لذلك، وتشديد الرقابة على الأسلحة والقبض على الإرهابيين ومحاكمتهم أو تسليمهم ومساعدة ضحايا الإرهاب، وتعزير الحماية للشخصيات الهامة والدبلوماسية والمنشآت الحيوية.
تقييم مخاطر الأمن القومي العربي
يتطلب تقييم المخاطر وجود أهداف محددة للأمن القومي العربي وجاهزية متقدمة بقدرات تدعم تعزيز الأمن لمواجهة المخاطر العالية على ضوء الضوابط الحاكمة للأمن القومي(كتوازن القوى والمصالح، وعناصر القوة الصلبة والناعمة) كالحروب السيبرانية والأوبئة والجوائح, والكوارث الطبيعية وأسلحة الدمار الشامل (النووية… وغيرها)، ومكافحة الإرهاب، مع تقدير إمكانية حدوثها وتكرارها (المدى الزمني) وآثارها. وهذا التقييم منهجي ومهم جدًا, ويتطلب دراسته على المستوى الوطني والإقليمي والعربي.
واستراتيجيًا يمكن تطوير أدوات لمقياس المخاطر لمدة (10) سنوات أو أكثر، ووضع تقييم وخطط المواجهة على المستويين الداخلي لكل دولة، وعلى المستوى العربي والبيئة الدولية، وإعطاء وزن كمي(رقم محتمل لكل خطر) حسب إمكانية حدوثه وتأثيره, كما هو موضح بالشكل رقم (1).
وعليه يمكن وضع أطر عامة حسب درجتها لدرجة المخاطر (عالية ــ متوسطة ــ متدنية) للمخاطر المحيطة بالأمن القومي العربي:
الإطار الأول: (هجوم سيبراني ــ حرب فضائية ــ حرب عالمية ــ الإرهاب الدولي ــ الكوارث الطبيعية الكبرى ــ الحرب النووية والبيولوجية والكيمايئة).
الإطار الثاني: (حروب بالوكالة ــ واستخدام كميات محددة من الأسلحة البيولوجية والكيميائية والإشعاعية ــ القلاقل الداخلية والاضطرابات السياسية ــ ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة بشكل حاد).
الإطار الثالث: (الحروب التقليدية ــ الهجمات الإرهابية المنفردة ــ شلّ وتعطيل الخدمات العامة).
ووضع خطط لمواجهة كل خطر في الدولة أو على مستوى الدول العربية لحفظ وصيانة الأمن القومي العربي.
تقييم الأمن القومي العربي
يمر الأمن القومي العربي حاليًا بمرحلة صعبة ودقيقة في تاريخه، فحالته الراهنة حالة ضعف لا يمكن الركون إليه في صد أو رد أي عدوان، إلّا أنّ إعادة دراسة أهداف ومصادر التهديد الموجهة ضده ووضع الخطط الاستراتيجية والتنفيذية للنهوض به سيقلل من حجم المخاطر ودرجة التهديد. ويمكن النظر إلى ذلك من خلال الجوانب التالية:
البيئة الداخلية:
نقاط الضعف: التأزم الداخلي والمعاناة من الإرهاب وتدني الأوضاع الاقتصادية.
نقاط القوة: الإمكانات البشرية الهائلة والقدرات العلمية والموارد الطبيعية الوفيرة.
البيئة الخارجية:
نقاط الضعف: توجهات عدد من الدول الطامعة والكيانات المشبوهة المدعومة خارجيًا للهيمنة على مقدرات الوطن العربي.
الفرص: العوامل والإمكانات الخارجية والبينية من الدول العربية التي يمكن أن يكون لها دور إيجابي في حماية الأمن القومي العربي أو أن يكون داعمًا للقدرات العسكرية وتنمية الموارد البشرية والثروات الطبيعية.
التهديدات: الظروف أو الاتجاهات التي يمكنها التأثير سلبًا على الأمن القومي العربي داخليًا وخارجيًا.
ومن خلال تحليل جوانب القوة والضعف والتهديدات والفرص يمكننا التوصل إلى أن التهديدات والمخاطر تتجاوز الإمكانات القائمة حاليًا للدفاع عن الأمن القومي العربي نظرًا لحالة التفكك السائدة بين الدول العربية، والفرص الممكنة للتغلب على حالة الضعف هي إعادة صياغة آليات الدفاع العربي المشترك أو الدخول في تحالفات بينية أو مع الدول الصديقة لضمان حالة من الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة والعالم.
الجانب التحليلي السياسي للأمن القومي العربي
الواقع
خلال الخمسة عقود الماضية اتسمت الأوضاع في المنطقة العربية بالتعقيد والتداخل والإنفراد في السياسات الخارجية، وأصبحت كل دولة عربية لها مصالح تختلف عن بقية الدول الأخرى مما زاد الأمر تعقيدًا، ويضاف لذلك التدخلات الخارجية من دول إقليمية مما يضع المنطقة أمام عدد من التحديات والتهديدات والمخاطر والضعف. ويمكن رد ذلك إلى عدة عوامل:
1. واقع الأمن القومي العربي: يعتبر حاليًا في حالة تعطيل تام لأسباب سياسية واقتصادية.
2. الحقائق: التحالف العربي حقق نجاحات نسبية (تحرير الكويت).
3. الواقع الدفاعي الكلي، وتحديدًا اتفاقية الدفاع العربي المشترك في حالة تعطل تام.
4.الجانب الديناميكي: الأداة الأهم لصيانة الأمن القومي هي مدى الحراك الذي يتسم به، الذي يقبع حاليًا في حالة سكون وركود.
5. الاستراتيجيات: استراتيجيات الدفاع المشترك تم وضعها ورسمها منذ عدة عقود، ولكن خططها التنفيذية لم تثبت جدواها.
6. التبعات: تبعات عدم تفعيل أدوات الدفاع العربي المشترك خطيرة وآثارها جسيمة، وخصوصًا على المدى الطويل.
7. الانكشاف الاستراتيجي: الأمن القومي العربي في حالة انكشاف تام أمام كافة التحديات والمخاطر.
8. الفاعلين: الدول العربية منفردة ــ جامعة الدول العربية ــ الكيانات العربية والإقليمية – الدول المجاورة، وتلعب الدول المجاورة إيران وتركيا دورًا سلبيًا ومضرًا بالأمن القومي العربي.
9. انعدام الثقة بين بعض الدول العربية فيما بينها من جانب، وبينها وعدد من الدول الإقليمية، وتحديدًا إيران وتركيا.
بناء الثقة بين الدول
بناء الثقة بين الدول ليس مفهومًا مجردًا أو معنويًا، كما هو الحال عند بناء الثقة بين الأشخاص، وإنما هو مبدأ له أصوله ومبادئه وأعرافه. نشأ المبدأ أثناء الحرب الباردة لتلافي حدوث حرب نووية، ويرتكز هذا المبدأ أو المفهوم على الشفافية لزيادة الثقة والطمأنينة بين الدول بعضها بعضًا بالمصارحة بينها عن قدراتها وخططها العسكرية، وإبلاغ الأمم المتحدة طوعيًا عن نفقاتها العسكرية واستيرادها وتصدير الأسلحة.
ومتى ما حدث فقدان للثقة بين الدول فإن إعادة بنائها تتطلب إجراءات جادة، ووقتًا طويلاً لما يحيط بذلك من الغموض وعدم الثقة وتدني مستوى المصداقية.
رحبت الأمم المتحدة وأمناؤها العامون بجميع الإجراءات التي تدعم بناء الثقة، وصدرت عدة قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة: (64 / 69 عام 2014م، 44 / 68 عام 2013م، 49 / 67 عام 2012م) ومن التدابير المرحب بها التي من الممكن أن تكون في سياقات إقليمية أو دون إقليمية أو ثنائية (تبادل المعلومات ــ المراقبة والتحقق ــ تقييد النشاط العسكري (المباغت))، وبالنظر إلى الوضع في المنطقة العربية ومتغيراته الداخلية بين الدول العربية ودول الإقليم، فإنه من المستحيل إعادة بناء الثقة بين جميع المكونات وضبط المتغيرات.
الخلاصة
تشير الدراسات والأبحاث العلمية إلى أن تحديات الأمن القومي العربي والمخاطر المحيطة به حقيقة وعالية الخطورة، ويصعب معها أن تحقق أي دولة أمنها الوطني دون الارتباط بالأمن القومي العربي الذي تعد دوله من الدول النامية، واللذان يرتبطان ببعضهما بعلاقة طردية ويتأثران سلبًا أو إيجابًا بمصادر التهديد وعناصر القوة. يواجه الأمن القومي ــ كما أسلفنا ــ تحديات داخلية وتحديات خارجية تستوجب الرصد والمتابعة للحد من آثارها حاليًا ومستقبلًا.
وتكمن أهمية الأمن القومي في الإمكانات البشرية والاقتصادية وجغرافيته السياسية وموقعه إلاّ أن حالة التفكك القائمة حاليًا يصعب معها تحقيق الأمن القومي العربي بالمفهوم العلمي أو حتى العملي.
مواجهة جميع التحديات الماضية أثبتت نوعًا من النجاح في حالات محددة (حرب تحرير الكويت مثلاً).
ومع ذلك، فإن مستقبل الأمن القومي العربي سيكون رهينة لتصورات ورؤى لا يمكن الاعتماد عليها، سيما إذا وضعنا في الاعتبار التطورات التقنية الهائلة التي يمر بها العالم.
مفهوم الأمن القومي من المفاهيم الحديثة نسبيًا، وأهميته تكمن في حماية أمن واستقلال واستقرار الدول وشعوبها وثقافتها واقتصادها، ويرتبط بوظائف الدولة الحديثة والإخلال به يهدد كيان الدول مجتمعة أو منفردة وقيمها والرفاة الاجتماعي والإستقرار.
وعلى ضوء عدم تمكن الكيانات السياسية العربية المتعددة الأطراف من الحفاظ على الأمن القومي العربي، فإن الدول العربية ستسعى إلى التحالفات والأحلاف المتخصصة والبينية أو الدولية، وخصوصًا التحالفات العسكرية، التي تستند في الأصل على نظرية القوة والقدرة على التحكم في تصرفات الآخرين بمساندة من القوة الاقتصادية والعوامل البشرية والجغرافية والقيم والمبادئ، أي أن القوة الصلبة وحدها لن تكون عامل الحسم في حسم أي صراع.
ومن كل ما تقدم، فإن إنشاء جيوش عربية إلكترونية متمكنة تقنيًا أصبح ضرورة قومية ووطنية، فالحروب القادمة ستكون حروبًا افتراضية لا مكانية، ولكن آثارها ستكون مدمرة وخطيرة، ويمكن أن تهدد المزاج الاجتماعي للشعوب خصوصًا وأنها ستصيب الخدمات والمصالح العامة والفردية اللصيقة بالمجتمعات بالشلل، وكذلك تفعيل الاتفاقيات العربية الدفاعية الثنائية والجماعية لمواجهة التحديات ودرء المخاطر الراهنة والمستقبلية.
