

يوسف كامل خطاب
باحث في الشؤون العربية
تقديم
تحلُّ الذكرى السادسة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (يحفظه الله)، في الثالث من شهر ربيع 1442هـ، الموافق للثامن عشر من نوفمبر 2020م، بعد عام من الأحداث الهامة والمؤثرة، ليس على الداخل السعودي فحسب، ولكن على المستويين الإقليمي والدولي؛ ويعدُّ الحدثان الأبرز على مدى العام الماضي هما: انتشار جائحة كورونا ـ التي عرضت، ومازالت تعرض، جل دول وشعوب العالم لخسائر بشرية واقتصادية، ومضار نفسية ألقت بآثارها السلبية على دول العالم أجمع ـ ورئاسة المملكة واستضافتها لقمة العشرين العالمية، التي تضم دولها ثلثي سكان العالم، وتُنَاقَش فيها أهم قضايا العالم الاقتصادية والسياسية والمناخية … وغيرها؛ وكلا الحدثين جعلا المملكة محط أنظار العالم طيلة العام، لمتابعة أسلوب إدارتها المتميز لأزمة كورونا ورئاستها لقمة العشرين التي تتولاها لأول مرة دولة عربية في ظروف استثنائية غير مسبوقة.
وقد فاجأت المملكة العالم بقدرتها على إدارة كلا الملفين ــ داخليًا وخارجيًا ــ بخطط استراتيجية محكمة، وكفاءات بشرية مُتقِنة، وإمكانات مادية عالية؛ منطلقةً من منظومة من القيم الإنسانية الراقية والمبادئ الأخلاقية الرفيعة وغير المعهودة في مجال السياسة والعلاقات الدولية، وخصوصًا عند حلول الكوارث والنكبات، واستحكام النوازل والأزمات، مؤكدةً ــ بذلك النهج المتفرد ــ أنها دولة القيم والقمم، وأنها تسعى دائما إلى إرادة الخير، ليس لشعبها فحسب، ولكن لكل شعوب الأرض، وتحرص على تقديم العون لمن يحتاج إليه، باذلة في سبيل ذلك ما حباها الله به من نعم؛ محافظةً على ما لها من قيمة وقامة بين دول العالم وشعوبه، وثقل ومكانة إقليمية ودولية.
وسوف يتناول هذا التقرير أبرز ـــ وليس كل ـــ ما تم تحقيقه على يدي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين (يحفظهما الله) من إنجازات ـ في كلا الملفين وغيرهما من الملفات ـ وفقًا للتسلسل الزمني لتلك الإنجازات خلال العام الماضي، لأن استيعاب وإحصاء كل ما تم تحقيقه دونه الجهد الفردي لمعدِّ التقرير، لوفرة ما تم إنجازه في المجالات المتعددة.
ذكرى البيعة السادسة وعام القيم والقمم:
تعد ذكرى البيعة إحدى المناسبات الوطنية الهامة والغالية، التي يترقبها الشعب السعودي بكل فئاته، عامًا تلو الآخر، ليعبر فيها عما تجيش به القلوب من مشاعر الحب والفداء، ومظاهر الاعتزاز والثناء، ومعاني التلاحم والوفاء، وتجديد العهد والولاء بين القيادة والشعب، وتأكيد العزم على المضي قدمًا نحو الغد الأفضل والمستقبل الأرحب بإذن الله؛ ولذلك حرصت مجلة كلية الملك خالد العسكرية ــ منذ مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله) بالحكم ــ على أن تتخذ من ذكرى البيعة في كل عام مناسبةً لرصد أبرز المنجزات التنموية العملاقة التي تم تحقيقها على مدى العام الفائت في كافة المجالات: السياسية، والعسكرية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية؛ وبيان ما أسهمت به تلك المنجزات في بناء الوطن وتنميته وتقدمه عامًا تلو الآخر، ليكون في مصاف دول العالم الكبرى؛ والارتقاء بقدرات ومتطلبات المواطن ورفاهيته، ليحيا حياة كريمة هانئة.
وقد تميزت جلَّ الإنجازات التي تحققت خلال العام الفائت من عهد خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) بأنها تمت في ظروف انسانية استثنائية قاسية، تطلبت العمل وفق منظومة من القيم الإنسانية التي تحفظ للإنسان صحته وأمنه الاجتماعي والنفسي، بغض النظر عن العائد الاقتصادي على الدولة لقاء ما توفره لمواطنيها من حاجات ملحة خلال مراحل الأزمة وتطورها؛ وهذا ما راعته حكومة خادم الحرمين ــ منذ ظهور الأزمة ــ حق الرعاية، فقد كانت المحافظة على صحة المواطنين والمقيمين على أرض المملكة، والعمل على استقرارهم النفسي والاجتماعي هو الغاية لما بذلته من جهود وانفقته من ميزانيات طائلة، مؤكدة على أن القيم الإنسانية نهج راسخ في سياسة المملكة عمومًا وفي أوقات الأزمات والنكبات على وجه الخصوص.
ولأن القيم والمبادئ الإنسانية لا تتجزأ، ولا تقصر على إنسان دون آخر، سعت المملكة إلى أن تبسط يد العون إلى غيرها من شعوب ودول العالم، لمكافحة الجائحة والتخفيف من آثارها الصحية والاقتصادية، وذلك عبر منظمة الصحة العالمية، ومجموعة دول العشرين التي تتولى المملكة رئاستها هذا العام، وغيرهما من السبل التي سيأتي ذكرها في هذا التقرير. وقد أشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الدافع القيمي لما قامت به المملكة لمكافحة الفيروس ــ داخليًا وخارجيًا ــ في تهنئته للشعب السعودي بمناسبة عيد الفطر المبارك، يوم 30 رمضان 1441هـ، الموافق 23 مايو 2020م، بقوله (يحفظه الله): «لقد بادرت المملكة العربية السعودية، انطلاقاً من قيمها الدينية والإنسانية والوطنية، إلى بذل كل الجهود الرامية إلى مقاومة هذه الجائحة، والسعي في تخفيف آثارها»؛ وهذا ما يجعل (القيم) أبرز تعريف لهذا العام.
أما وصفه بعام (القمم)، فيعود إلى أن جلَّ ما تم تحقيقه خلال هذا العام من إنجازات قد تم عبر قمة العشرين التي ترأستها المملكة على مدى العام، فاصطبغ أكثر ما تم إنجازه بالصبغة العالمية، بحيث أصبح من الصعب على المتابع الفصل والتمييز بين الإنجازات على المستوى الداخلي والإنجازات على المستوى الخارجي؛ وتعد هذه السمة من السمات التي انفردت بها المملكة بين دول العالم هذا العام، فبينما اضطرت جائحة كرونا كل دولة أن تهتم بشؤونها الداخلية، دونما اكتراث لمعاناة الآخرين، كانت المملكة تتخذ من رئاستها لقمة العشرين فرصة سانحة لعرض إمكاناتها واختبار قدراتها على إدارة ملفات القضايا العالمية في مختلف المجالات برؤية سعودية تنطلق من قيم المملكة ومبادئها الدينية والأخلاقية، ما جعلها تكلل بالصواب والتوفق، وتنال استحسان وتوافق دول القمة وغيرها من دول العالم على تميُّزها ونجاحها. وهو ما أكده خادم الحرمين أيضًا في تهنئته للشعب السعودي بحلول عيد الفطر بقوله (أيده الله): «استشعارًا لدورها العالمي وواجبها الإنساني دعت المملكة ــ بحكم رئاستها مجموعة العشرين ــ إلى عقد اجتماع قمة للمجموعة ناقشت خلالها الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة، واتخذت القرارات اللازمة، كما قدمت بلادكم الدعم السخي لمنظمة الصحة العالمية دعماً لجهودها في مواجهة الجائحة، كما قدمت الدعم السخي للبحوث العلمية المحلية والدولية لاكتشاف لقاح للفايروس، أو دواء ناجع يسهم في تخليص البشرية من هذا الوباء».
في سياق هذا الإيضاح، سوف نستعرض فيما يلي أبرز الإنجازات التي تحققت خلال العام الفائت من بيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله)، مسلطين الضوء على الجانب القيمي (الديني والإنساني والوطني) فيها، سواء ما تعلق منها بالشأن الداخلي، أو بالشأن الإقليمي والدولي، الذي تم عبر جدول أعمال مجموعات قمة العشرين وجلساتها المتعددة على مدى العام.
أبرز إنجازات العام الخامس للبيعة:
أولًا: الإنجازات السياسية:
شهد العام الماضي من حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله) كثيرًا من الإنجازات السياسية، التي كان من أبرزها:
1. ترأُّس القمة الخليجية الأربعين:
استهلت المملكة نشاطها السياسي في العام الماضي باستضافة القمة الخليجية الأربعين، نيابة عن دولة الإمارات العربية المتحدة، وعقدت القمة بقصر الدرعية في 13 ربيع الآخر 1441هـ الموافق 10 ديسمبر 2019م، وترأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله). وقد ألقى كلمة ترحيبية بقادة دول المجلس المشاركين في القمة، نوه فيها إلى أن المجلس قد تمكن منذ تأسيسه من تجاوز الأزمات التي مرت بها المنطقة فيما مضى، موضحًا أخطر التحديات التي تتعرض لها المنطقة في الوقت الحاضر بقوله (يحفظه الله): «ومنطقتنا اليوم تمر بظروف وتحديات تستدعي تكاتف الجهود لمواجهتها، حيث لا يزال النظام الإيراني يواصل أعماله العدائية لتقويض الأمن والاستقرار ودعم الإرهاب، الأمر الذي يتطلب منا المحافظة على مكتسبات دولنا ومصالح شعوبنا، والعمل مع المجتمع الدولي لوقف تدخلات هذا النظام، والتعامل بجدية مع برنامجه النووي وبرنامجه لتطوير الصواريخ البالستية، وتأمين مصادر الطاقة وسلامة الممرات المائية وحرية حركة الملاحة البحرية».
وأكد (يحفظه الله) في كلمته على موقف المملكة من القضية الفلسطينية والأزمة اليمنية بقوله: «… لا يفوتنا في لقائنا هذا أن نؤكد على موقفنا تجاه القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية . كما أننا نثمن جهود الأشقاء اليمنيين وعلى رأسهم الحكومة اليمنية في التوصل إلى اتفاق الرياض، ونؤكد على استمرار التحالف في دعمه للشعب اليمني وحكومته، وعلى أهمية الحل السياسي في اليمن وفق المرجعيات الثلاث».
2. ترأُّس قمة العشرين(1):
في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول 1441هـ، الموافق للثالث والعشرين من شهر نوفمبر 2019م، تسلم وزير الخارجية السعودية الأمير (فيصل بن فرحان بن عبد الله) من وزير الخارجية الياباني (موتيجي توشيميتسو) شارة رئاسة المملكة لقمة العشرين لعام 2020م بشكل رسمي في مدينة (ناجويا) اليابانية، لتصبح المملكة ــ من مطلع شهر ديسمبر 2019م ــ رئيسة لأهم قمة عالمية(2).
ويجمع القادة والسياسيون والمعنيون بالشأن الدولي من كافة التخصصات على أن رئاسة المملكة مجموعة العشرين، واستضافتها الاجتماعات التحضيرية للقمة، جاء في وقت والعالم في أمس الحاجة إلى صوت الحكمة والتعقل والهدوء والسلام، من أجل توجيه دفة الاقتصاد العالمي وموارده نحو مصلحة المجتمعات بأطيافها كافة، ومعالجة الظواهر السلبية، التي أحدثتها جائحة كورونا.
أهمية ترأس المملكة لقمة العشرين:
ويعد ترأس المملكة لقمة العشرين هو الإنجاز الأهم والأبرز على مدى العام الماضي، وتعود أهميته إلى عدة أسباب، منها:
أن من يقود دفة قمة العشرين ــ التي تُحدَّد من خلال قراراتها الصورة التي سيكون عليها شكل العالم في المستقبل، والسبل التي سيتم من خلالها معالجة الظواهر الصحية والاقتصادية والاجتماعية، التي تعصف بالعالم اليوم ــ يُعدُّ قائدًا للعالم أجمع، وبتلك الصفة كان العالم يستمع إلى كلمات خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله)، التي ألقاها، أو ألقيت نيابة عنه، في اجتماعات القمة التي تمت على مدى العام، سواء على مستوى رؤساء الدول أو رؤساء المجموعات المشاركة في المجالات المتعددة.
التأكيد على كفاءة المملكة ومقدرتها على قيادة الأجندة العالمية عبر تنظيم وإدارة ورئاسة مجموعة العشرين، لتحقيق إنجازات ملموسة تعود بالنفع على دول وشعوب العالم أجمع، وخصوصًا دول العالم النامي، والسعي إلى تعزيز التوافق العالمي بشأن القضايا الدولية، والاستفادة من موقع المملكة بين القارات الثلاث في إبراز منظور الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجاه تلك القضايا، وهو ما تحقق بوضوح خلال استضافة المملكة لمجموعة العشرين.
الإسهام في جذب الاستثمارات الأجنبية للمملكة، بما يترتب عليها من نمو اقتصادي، حيث سُبِقت قمة الرؤساء (4 ــ 5 ربيع الآخر 1442هـ/ 20 ــ 21 نوفمبر 2020م) بعشرات الترتيبات واللقاءات بين الوزراء والمسؤولين في المالية والبنوك المركزية والعمل والطاقة والاقتصاد وغيرها، الأمر الذي وضع الاقتصاد السعودي ـــ بما فيه من فرص استثمارية واعدة ـــ تحت أعين المستثمرين وتغطية وسائل الإعلام العالمي.
تبادل المعارف والخبرات في جميع المجالات مع أفضل دول العالم، وذلك عبر إبراز ما لدى المملكة من قدرات وإمكانات ماليه، وكفاءات بشرية، وتجارب وخبرات في جميع المجالات، والتعلم في الوقت نفسه من التجارب والخبرات المشاركة في القمة.
إتاحة الفرصة للمختصين السعوديين لاكتساب الخبرة في تنظيم وإدارة الفعاليات العالمية (افتراضيًا)، لقمة مهمة يترقبها العالم أجمع سنويًا؛ ما جعل للمملكة فضل السبق والتميز في هذا الشأن.
أهداف القمة ومحاورها الرئيسة:
وضعت المملكة محور (اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع) هدفاً عاماً، وذلك في سياق التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية التي تواجه أعضاء مجموعة العشرين والاقتصاد العالمي بشكل عام، وتحقيقًا لهذا الهدف، ركزت القمة على ثلاثة محاور رئيسة، هي:
تمكين الإنسان: وذلك من خلال تهيئة الظروف التي تُمكّن جميع الأفراد ــ وبخاصة النساء والشباب ــ من العيش والعمل والازدهار، عبر إتاحة الفرص للجميع من خلال إزالة العوائق أمام الفئات الأقل حظوة بالفرص، وتعزيز الشمول المالي للنساء والشباب، واتخاذ إجراءات ملموسة لتمويل أجندة التنمية المستدامة 2030، إضافة إلى دعم الوصول إلى الأنظمة الصحية الآمنة والمتمركزة حول الإنسان، وإيجاد وجهات سياحية شمولية.
الحفاظ على كوكب الأرض: وذلك من خلال تعزيز الجهود الجماعية للحفاظ على الموارد المشتركة، عبر إيجاد نظم طاقة أكثر نظافة واستدامة ووضع مناهج عملية لضبط الانبعاثات، والتركيز على الوصول إلى الطاقة واستخدام جميع مصادرها لتعزيز التنمية المستدامة، والحد من تدهور الأراضي من خلال إعادة تشجير كوكب الأرض، مع تحسين عملية إدارة المياه والحد من الفقد والهدر العالمي للغذاء.
تشكيل آفاق جديدة: وذلك من خلال بناء استراتيجيات جريئة وطويلة المدى للاستفادة من منافع الابتكار ومشاركتها، عبر الاستفادة من التقنية في البنية التحتية، وتقديم حل عالمي لمعالجة التحديات الضريبية الناشئة عن الاقتصاد الرقمي، وتطوير المدن الذكية والذكاء الاصطناعي الموثوق، وجني منافع دخول شركات التقنية الكبرى في المجال المالي، بالإضافة إلى مواجهة التحديات الناشئة وضمان المتانة السيبرانية.
الجهات والمجموعات المشاركة:
استضافت المملكة ــ قبل انعقاد القمة (في 4 ــ 5 ربيع الآخر 1442هـ/ 20 ــ 21 نوفمبر 2020م)ــ (180) اجتماعًا ومؤتمرًا، شملت (16) اجتماعًا وزاريًا واجتماعات لمسؤولين رسميين وممثلي مجموعات التواصل، وهي ثماني مجموعات تعاونية مستقلة قادتها منظمات المجتمع المدني في المملكة، وتنوعت أعمالها وفقًا لتنوع من تهتم بقضاياهم وتعبر عنهم، وهذه المجموعات هي:
مجموعة الأعمال (B20): وهي تمثل مجموعة الأعمال في دول العشرين، سواء كانت شركات صغيرة ومتوسطة أو شركات كبرى.
ومجموعة الشباب (Y20): وهي المجموعة الرسمية لمشاركة الشباب، وتعمل على تطوير مهارات وشبكات المندوبين الحاضرين وتحديد أكثر التحديات والفرص الاقتصادية إلحاحاً التي تواجه الشباب اليوم.
ومجموعة العمال (L20): وتمثل مصالح العمال في جميع أنحاء العالم، ومهمتها الأساسية هي تعزيز حقوق العمال ومصالحهم ومناصرتهم وإطلاق الحملات المدافعة عن حقوقهم من خلال مشاركات مختلفة مع فرق العمل المختلفة واجتماعات مع ووزراء العمل.
ومجموعة الفكر(T20): وتُسهم في تقديم توصيات السياسات العامة القائمة على البحوث إلى مجموعة العشرين، وتسهل التفاعل بين مجموعة العشرين ومجتمع هيئات الفكر والدوائر البحثية، والتواصل مع الجمهور على نطاق أوسع حول القضايا ذات الأهمية العالمية.
ومجموعة المجتمع المدني (C20): هي المجموعة المخصصة لاجتماعات المجتمع المدني داخل مجموعة العشرين. وتوفر المجموعة منصة لمنظمات المجتمع المدني لوضع وجهات النظر المختلفة بشأن التحديات المالية والاجتماعية الاقتصادية على طاولة مباحثات المجموعة.
ومجموعة المرأة (W20): وتتكون من شبكة من الممثلين للمنظمات النسائية غير الحكومية، والمجتمع المدني، ورائدات الأعمال، والشركات، ومراكز الفكر عبر الدول الأعضاء في مجموعة العشرين. وهدفها الأساسي هو ضمان تعميم الاعتبارات والالتزامات التي تعزز المساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة، من أجل تعزيز النمو الاقتصادي الشامل للجنسين في كل بلد.
ومجموعة العلوم(S20): وتعمل كمنتدى وليس كمنظمة؛ وغرضها الأساسي هو تزويد صانعي السياسات بتوصيات ذات توجه علمي، بشأن الموضوعات المختارة ذات الاهتمام التي تم توافق الآراء عليها. وتركز كل فرقة عمل على موضوع واحد شامل له صلة بالعلماء وصانعي السياسات والمجتمع على حد سواء.
ومجموعة المجتمع الحضري(U20): وتتولى مناقشة القضايا الحضرية المهمة، كالتغير المناخي، والاندماج الاجتماعي والتكامل، واستدامة النمو الاقتصادي، لتشكيل موقف مشترك ــ لدول العشرين وغيرها من الدول المدعوة للقمة ــ بشأنها.
و(قادة اقتصاد الفضاء 20): وهي مجموعة غير معتمدة ضمن مجموعات القمة الأساسية، بهدف مناقشة الأبعاد الاقتصادية لقطاع الفضاء(3).
وقد شملت اللقاءات والاجتماعات وورش العمل التي تمت بين تلك المجموعات على مدى العام، كل ما يتعلق بحياة الإنسان تقريبًا على كوكب الأرض، من الزراعة إلى الصحة، فالتنمية والأعمال، والاستراتيجية المالية والطاقة، إلى آخر القطاعات، ورفعت بها توصيات لقادة دول العشرين لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.
استعدادات المملكة لرئاسة القمة:
مع اليوم الأول لتسلمها رئاسة القمة، أطلقت المملكة الشعار المخصص للقمة، والموقع الإلكتروني الخاص بها https://g20.org/ باللغة الإنجليزية واللغة العربية ــ لتعريف الجمهور السعودي والعربي بالموضوعات والقضايا الرئيسة التي سوف تناقشها المجموعة هذا العام ــ كما أطلقت حساب القمة على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها “تويتر” @g20org. وبعد تسلم المملكة الرئاسة بأربعة أيام فقط، أقامت وزارة المالية ــ بالتعاون مع مؤسسة النقد ــ أولى ندوات قمة العشرين بعنوان: “(تعزيز الوصول إلى الفرص .. تمكين الناس من أجل نمو قوي وشامل).
وحرصت المملكة ـــ باعتبارها أول دولة عربية وإسلامية تترأس مجموعة العشرين ـــ أن تترك بصمتها الخاصة على المشهد العام للقمة، فقامت بتوجيه الدعوات للدول والمنظمات الإقليمية والدولية للمشاركة في القمة(4). وكان الهدف من تلك الخطوة غير المسبوقة، هو إبراز دور المملكة المحوري في القمة، بصفتها دولة الرئاسة للمجموعة؛ وإبلاغ دول القمة بأن الشعوب العربية والإسلامية تعتمد على المملكة في إيصال صوتها إلى الدول الاقتصادية الكبرى في مجموعة العشرين، لكي تفسح أمامها المجال للانطلاق في عالم النمو والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما تجلَّى في اجتماعات المجموعة وتوجهاتها وبرامجها ونقاشاتها على مدى العام الماضي، وصولًا لاجتماع القادة في 6 ـ7 ربيع الثاني 1442هـ، الموافق 20 ـ 21 نوفمبر 2020م.
دعوة المملكة لقمة (افتراضية) طارئة (مارس 2020م):
ما أن شرعت المملكة تعد لاستقبال وفود دول العشرين للإعداد للقمة العادية الخامسة عشرة للمجموعة في ربيع الثاني 1442هـ/ نوفمبر 2020م، حتى تفاجأ العالم بجائحة كورونا، التي حالت دون انعقاد المؤتمرات الدولية الجماعية بصورة مباشرة، كخطوة احترازية للحد من انتشار الفيروس وتفشيه بين دول العالم، والاستعاضة عن ذلك باللقاءات عن بُعد (الافتراضية) عبر وسائل التقانة الحديثة. ومثَّل هذا الواقع الذي فرض نفسه على تنظيم المؤتمرات واللقاءات الجماعية للمرة الأولى، تحديًا آخر ــ يضاف إلى تحدي استضافة القمة في المملكة للمرة الأولى ــ وذلك لما يتطلبه من إمكانات تقانية عالية وكفاءات بشرية ماهرة.
وتصدت المملكة لهذا التحدي بعزم شديد وهمة عالية، وبادرت إلى الدعوة لعقد قمة (افتراضية) طارئة لمجموعة العشرين ـــ عقدت في الثاني من شعبان 1441 هـ، الموافق للسادس والعشرين من مارس 2020 م، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (يحفظه الله) ــ لبحث تخفيف تداعيات الجائحة على شعوب واقتصادات العالم. وقد تميزت القمة الاستثنائية الافتراضية بدقة التنفيذ، فضلًا عن أهمية ما طرح فيها من موضوع يمس أمن العالم واستقراره، فنالت إعجاب واستحسان دول القمة وغيرها من دول العالم.
خادم الحرمين يضع خارطة الطريق للقمة الطارئة:
تمحورت كلمة خادم الحرمين الشريفين للقمة الطارئة حول جائحة كورونا وما سببته من أزمات صحية واقتصادية ومالية، والدعوة إلى المضي قدمًا في تنسيق الجهود العالمية لمكافحة الوباء، والحد من تأثيره؛ فبعد ترحيبه بقادة القمة وشكرهم على المشاركة، قال (يحفظه الله): « إننا نعقد اجتماعنا هذا تلبيةً لمسؤوليتنا كقادة أكبر اقتصادات العالم، لمواجهة جائحة كورونا التي تتطلب منا اتخاذ تدابير حازمة على مختلف الأصعدة, حيث لا تزال هذه الجائحة تخلف خسائر في الأرواح البشرية وتلحق المعاناة بالعديد من مواطني دول العالم, وهنا أود أن أقدم لكل الدول حول العالم ومواطنيهم خالص العزاء والمواساة في الخسائر البشرية التي تسببت بها هذه الجائحة, مع تمنياتنا للمصابين بالشفاء العاجل».
كما نوه (يحفظه الله) إلى: «… أن تأثير هذه الجائحة قد توسع ليشمل الاقتصادات والأسواق المالية والتجارة وسلاسل الإمداد العالمية، مما تسبب في عرقلة عجلة التنمية والنمو، والتأثير سلباً على المكاسب التي تحققت في الأعوام الماضية»؛ موضحًا لدول العشرين الدور الذي يجدر بهم القيام به في مواجهة الجائحة بقوله (أيده الله): «إن هذه الأزمة الإنسانية تتطلب استجابة عالمية, ويُعول العالم علينا للتكاتف والعمل معاً لمواجهتها».
وأشار خادم الحرمين إلى كيفية تعامل المملكة صحيًّا مع الفيروس، داعيًا دول القمة بأن تحذو حذو المملكة في ذلك للحد من انتشاره، بقوله: « وعلى الصعيد الصحي، بادرت المملكة بالعمل مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات المتخصصة لاتخاذ كل الاجراءات اللازمة لاحتواء انتشار فيروس كورونا المستجد وضمان سلامة الأفراد. ونُثمن الإجراءات الفعالة التي اتخذتها الدول في هذا الصدد».
وأكد (أيده الله) على ضرورة دعم دول القمة لمنظمة الصحة العالمية لتتمكن من مكافحة الفيروس، وتنشط لإيجاد لقاح فاعل له، حيث قال: «كما نؤكد دعمنا الكامل لمنظمة الصحة العالمية في تنسيقها للجهود الرامية إلى مكافحة هذه الجائحة. وسعياً من مجموعة العشرين لدعم هذه الجهود، فإنه يجب أن نأخذ على عاتقنا جميعاً مسؤولية تعزيز التعاون في تمويل أعمال البحث والتطوير سعياً للتوصل إلى لقاح لفيروس كورونا، وضمان توفر الإمدادات والمعدات الطبية اللازمة. كما ينبغي علينا تقوية إطار الجاهزية العالمية لمكافحة الأمراض المعدية التي قد تتفشى مستقبلًا».
وتخفيفًا من الأعباء الاقتصادية التي سببتها الأزمة آنذاك، واستشرافًا منه (أيده الله) لما سوف تخلفه من آثار اقتصادية سلبية سوف تتفاقم على جل دول العالم مع استمرارها، نوهت الكلمة إلى الدور الاقتصادي الذي يجب على دول العشرين القيام، حيث قال (يحفظه الله): « على الصعيد الاقتصادي، وفي ظل تباطؤ معدلات النمو واضطراب الأسواق المالية، فإن لمجموعة العشرين دوراً محورياً في التصدي للآثار الاقتصادية لهذه الجائحة؛ لذلك، لا بد لنا من تنسيق استجابة موحدة لمواجهتها وإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي»؛ مشيرًا إلى أن اتخاذ الدول ــ بصورة منفردة ــ للسياسات والحزم التحفيزية، والتدابير الاحترازية، والسياسات القطاعية، وإجراءات حماية الوظائف، من أجل إنعاش اقتصادها، لا يعفي دول العشرين من مسؤوليتها، بقوله (يحفظه الله): «ومع أهمية هذه الاستجابات الفردية من الدول، إلا أنه من الواجب علينا أن نقوم بتعزيز التعاون والتنسيق في كل جوانب السياسات الاقتصادية المتخذة».
كما نوه (يحفظه الله) إلى مسؤولية دول القمة تجاه انسياب التجارة العالمية ودعم الدول النامية بقوله: « وعلى الصعيد التجاري، يتوجب على مجموعة العشرين إرسال إشارة قوية لإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي، من خلال استعادة التدفق الطبيعي للسلع والخدمات، في أسرع وقت ممكن، وخاصة الإمدادات الطبية الأساسية. كما أن من مسؤوليتنا مد يد العون للدول النامية والأقل نمواً لبناء قدراتهم وتحسين جاهزية البنية التحتية لديهم لتجاوز هذه الأزمة وتبعاتها».
بهذه اللوحة الإنسانية المبدعة رسم خادم الحرمين الشريفين خارطة الطريق التي ستسير عليها قمة العشرين في دورتها الخامسة عشرة برئاسة المملكة العربية السعودية، في مواجهة الأزمات الصحية والاقتصادية والمالية التي يواجهها العالم جراء جائحة كورونا، فضلًا عن غيرها من القضايا والمشكلات التي تم تناولها.
البيان الختامي للقمة الطارئة يوثق كلمة خادم الحرمين:
جاء البيان الختامي للقمة الاستثنائية موثقًا لما طرحه خادم الحرمين في كلمته من المسؤوليات التي يتعين على دول القمة القيام بها، حيث تضمن نصًا جاء فيه: «نحن عازمون على بذل قصارى جهدنا، فرديّاً وجماعيّاً من أجل: حماية الأرواح، والحفاظ على وظائف الأفراد ومداخيلهم، واستعادة الثقة، وحفظ الاستقرار المالي، وإنعاش النمو ودعم وتيرة التعافي القوي؛ وتقليل الاضطرابات التي تواجه التجارة وسلاسل الإمداد العالمية؛ وتقديم المساعدة لجميع الدول التي بحاجة للمساندة؛ وكذلك تنسيق الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة والتدابير المالية».
كما أعلن قادة العشرين ــ في بيانهم الختامي ــ عن ضخ «أكثر من 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، وذلك كجزء من السياسات المالية والتدابير الاقتصادية وخطط الضمان المستهدفة لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية للجائحة».
قمة العشرين الاعتيادية (6 ـ 7 ربيع الثاني 1442هـ، الموافق 20 ـ 21 نوفمبر 2020م).
بعد عام من العمل الدؤوب والاجتماعات المتعاقبة لوزراء دول القمة والمجموعات الثماني الممثلة لفئات المجتمع المدني المشاركة في القمة، انعقدت قمة العشرين الاعتيادية (افتراضيًا) في نسختها الخامسة عشرة في موعدها المحدد يومي (6 ـ7 ربيع الثاني 1442هـ، الموافق 20 ـ 21 نوفمبر 2020م). وقد افتتحها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله)، بالترحيب بقادة الدول المشاركة، بالقول: «يطيب لنا أن نرحب بكم في قمة الرياض، وهي القمة الثانية لهذا العام، ويؤسفنا أننا لم نحظ باستقبالكم في الرياض نظراً للظروف الصعبة التي نواجهها جميعاً هذا العام. وإنه لمن دواعي سرورنا أن نراكم اليوم جميعاً ونشكركم على المشاركة».
وقد نوه (يحفظه الله) لما تم التعهد به خلال القمة غير العادية (مارس 20 20) لمواجهة جائحة كورونا والجهود التي بذلت لتجاوز هذه الأزمة من خلال التعاون الدولي، وذلك في قوله: «لقد تعهدنا في قمتنا غير العادية في مارس الماضي بحشد الموارد العاجلة وساهمنا جميعاً في بداية الأزمة بما يزيد على واحدٍ وعشرين مليار دولار لدعم الجهود العالمية للتصدي لهذه الجائحة. واتخذنا أيضاً تدابير استثنائية لدعم اقتصاداتنا من خلال ضخ ما يزيد على أحد عشر تريليون دولار لدعم الأفراد والشركات. كما تمت توسعة شبكات الحماية الاجتماعية لحماية الفئات المعرضة لفقدان وظائفهم ومصادر دخلهم. وقمنا بتقديم الدعم الطارئ للدول النامية. ويشمل ذلك مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الدين للدول المنخفضة الدخل».
وطالب (أيده الله) قادة العشرين في قمتهم الاعتيادية بالمزيد مما يبث الطمأنينة بين شعوب العالم، سواء بالاستمرار في إجراءات التصدي للجائحة وآثارها، بقوله: «..فإنه من واجبنا الارتقاء معاً لمستوى التحدي خلال هذه القمة وأن نطمئن شعوبنا ونبعث فيهم الأمل من خلال إقرار السياسات لمواجهة هذه الأزمة»؛ مؤكدًا على ضرورة العمل على تنفيذ الأهداف الرئيسة للقمة، حيث قال (يحفظه الله): «إن هدفنا العام هو اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع. وعلى الرغم من أن جائحة كورونا قد دفعتنا إلى إعادة توجيه تركيزنا بشكل سريع للتصدي لآثارها، إلا أن المحاور الرئيسية التي وضعناها تحت هذا الهدف العام ـ وهي تمكين الإنسان، والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاقٍ جديدة ـ لا تزال أساسية لتجاوز هذا التحدي العالمي وتشكيل مستقبلٍ أفضل لشعوبنا. وعلينا في المستقبل القريب أن نعالج مواطن الضعف التي ظهرت في هذه الأزمة، مع العمل على حماية الأرواح وسبل العيش».
وتابع خادم الحرمين كلمته للقمة، مبشرًا الجميع بالتقدم المحرز للقضاء على فيروس كورونا، بقوله (يحفظه الله): «ونستبشر بالتقدم المحرز في إيجاد لقاحات وعلاجات وأدوات التشخيص لفيروس كورونا، إلا أن علينا العمل على تهيئة الظروف التي تتيح الوصول إليها بشكلٍ عادلٍ وبتكلفةٍ ميسورة لتوفيرها لكافة الشعوب. وعلينا في الوقت ذاته أن نتأهب بشكلٍ أفضل للأوبئة المستقبلية.
ثم أوضح (يحفظه الله) المسؤليات التي يتعين على الدول الأعضاء القيام بها لتحقيق المحاور التي تضمنها الهدف العام للقمة، وذلك بقوله» « وعلينا الاستمرار في دعم الاقتصاد العالمي، وإعادة فتح اقتصاداتنا وحدود دولنا لتسهيل حركة التجارة والأفراد. ويتوجب علينا تقديم الدعم للدول النامية بشكلٍ منسق، للحفاظ على التقدم التنموي المحرز على مر العقود الماضية. إضافة إلى ذلك، وضع اللبنات الأساسية للنمو بشكلٍ قويٍ ومستدام وشامل.فلا بد لنا من العمل على إتاحة الفرص للجميع وخاصة للمرأة والشباب لتعزيز دورهم في المجتمع وفي سوق العمل، وذلك من خلال التعليم والتدريب وإيجاد الوظائف ودعم رواد الأعمال وتعزيز الشمول المالي وسد الفجوات الرقمية بين الأفراد. كما ينبغي علينا تهيئة الظروف لخلق اقتصاد أكثر استدامة».
ونوه (يحفظه الله) إلى ما أحرزته القمة من تقدم في بعض الملفات التي تمت مناقشاتها عبر الوزراء المجموعات المشاركة في القمة، بقوله: « قمنا بتعزيز مبدأ الاقتصاد الدائري للكربون كنهج فعال لتحقيق أهدافنا المتعلقة بالتغير المناخي وضمان إيجاد أنظمة طاقةٍ أنظف وأكثر استدامة وأيسر تكلفة. وعلينا قيادة المجتمع الدولي في الحفاظ على البيئة وحمايتها. وفي هذا السياق، فإننا ندعو إلى مكافحة تدهور الأراضي والحفاظ على الشعب المرجانية والتنوع الحيوي مما يعطي مؤشراً قوياً على التزامنا بالحفاظ على كوكب الأرض. ولإدراكنا بأن التجارة محرك أساسي لتعافي اقتصاداتنا، فقد قمنا بإقرار مبادرة الرياض بشأن مستقبل منظمة التجارة العالمية، بهدف جعل النظام التجاري المتعدد الأطراف أكثر قدرةً على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية».
وأنهى (يحفظه الله) كلمته الضافية بالقول: «إنني على ثقة بأن جهودنا المشتركة خلال قمة الرياض سوف تؤدي إلى آثار مهمةٍ وحاسمةٍ وإقرار سياساتٍ اقتصاديةٍ واجتماعية من شأنها إعادة الاطمئنان والأمل لشعوب العالم. وشكراً لكم».
إنجازات القمة على مدى العام:
حققت قمة العشرين برئاسة المملكة العربية السعودية إنجازات متعددة، من أبرزها:
فتح ملفات ومناقشة موضوعات، تتجاوز المصالح الخاصة لدول المجموعة، وتمتد إلى مصالح دول العالم، التي كانت تثق في قدرة المملكة على تمثيلها في اجتماعات تلك المجموعة؛ وهو ما جعل المملكة تحقق المزيد من المكانة والثقل الدوليين لنجاحها المبهر في الإعداد المُتقن والتجهيز النموذجي لفعاليات المجموعة، وتوجيه بوصلة اهتماماتها صوب تحقيق النفع العام لدول العالم أجمع؛ وخصوصًا في ظل الأوضاع المتردية التي تعاني منها بعض دول وشعوب العالم الأكثر فقرًا والأقل نموًا، والتي ضاعفت جائحة كرونا من حدتها وخطورتها.
طرح قضايا الفئات الأكثر تضررًا من جائحة كورنا، وحث دول العشرين بالعمل على حلها بروح من العدالة الاجتماعية والإنسانية في كل دول العالم؛ وتعد كلمة خادم الحرمين الشريفين في اجتماع مجموعة العمال L20 ــ والتي ألقاها نيابة عنه (يحفظه الله) وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، خلال افتتاح فعاليات قمة مجموعة تواصل العمال ــ أحد أهم الدعوات لإيصال صوت العمال ومعاناتهم إلى قادة مجموعة العشرين، حيث أكد خادم الحرمين، في كلمته، على ضرورة ضمان حقوق العمال، الصحية والاجتماعية والاقتصادية، خصوصا خلال هذه الجائحة، التي تتطلب دعم فرص الوصول إلى لقاح بشكل عاجل، من أجل حماية الأرواح، وكذلك جهود المحافظة على وظائف الأفراد بوصفها أساسًا للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي وتقليل الاضطرابات، ومنطلقًا للمحافظة على الاستقرار المالي وسلاسل الإمداد العالمية.
وتأتي دعوة خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) بمراعاة حقوق العمال عالميًا، مدعومة بما قدمته المملكة من نموذج رائد في ذلك، من خلال تحفيز القطاع الخاص عبر دعم الأجور للمحافظة على الوظائف، كما قادت دول العشرين من أجل تقديم المساعدة لجميع الدول التي تطلب تقديم المساندة والدعم، وذلك بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، ودعم وتقوية شبكات الحماية الاجتماعية لأنماط العمل كافة وجميع فئات العاملين، وبخاصة أصحاب الأعمال الحرة، والعاملين من خلال المنصات الإلكترونية.
قيادة الجهود الدولية والعمل المشترك لمحاربة جائحة كورونا وخدمة الإنسانية، وبث روح التفاؤل والأمل إلى دول وشعوب العالم، عبر الإعلان ــ على لسان دول القمة ـــ عن أن العالم يستطيع أن يتجاوز جائحة كورونا ويحصر تداعياتها في أضيق نطاق، وأن يواصل طريق التنمية والازدهار، من خلال التوصل لآليات لمواجهة الجائحة؛ وحث المملكة دول القمة على التعهد بتقديم المساعدات المالية والتقانية للدول الفقيرة، وتخفيف القيود على مديونياتها، لتتمكن من مواجهة الجائحة، وتحد من آثارها السلبية المتفاقمة؛ وطرحها العديد من التصورات والمبادرات التي تسهم في تحقق آمال الشعوب وتطلعاتها.
تعزيز التنسيق والتكامل بين جهود الدول الأعضاء، بما يضمن سرعة القضاء على الفيروس، حيث شهد العالم اجتماعًا افتراضيًا لوزراء الصحة في المجموعة برئاسة المملكة، ناقشوا فيه برامجهم وخططهم لمواجهة كورونا، ولم تنس المملكة في الاجتماع ذاته حث دول مجموعة العشرين على مساعدة دول العالم الأخرى في مواجهة المرض. وفي هذا السياق التزمت مجموعة الأعمال (B20)، بسد الفجوة التمويلية في الصحة العالمية لمكافحة الجائحة، حيث ساهمت المجموعة بمبلغ 21 مليار دولار لدعم إنتاج أدوات التشخيص والعلاج والأدوية واللقاحات وإتاحتها للجميع.
وقد أشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ــ في كلمته التي ألقاها أمام أعمال الدورة (الخامسة والسبعين) لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، عبر الاتصال المرئي، يوم 6 صفر 1442 هـ، الموافق 23 سبتمبر 2020م ــ إلى الدور الريادي الذي قامت به المملكة في مكافحة جائحة كورونا والحد من آثارها داخليًا وعالميًا ــ عبر ترأسها لقمة العشرين ــ بقوله (يحفظه الله): إن جائحة كورونا “ … أظهرت الحاجة الملحة إلى تكاتفنا جميعاً لمواجهة التحديات المشتركة للإنسانية، وقد قامت المملكة بوصفها رئيساً لمجموعة دول العشرين بتنسيق الجهود الدولية من خلال عقد قمة في شهر مارس الماضي على مستوى القادة لتنسيق الجهود العالمية لمكافحة هذه الجائحة والحد من تأثيرها الإنساني والاقتصادي، وأعلنت المملكة خلال القمة تقديم مبلغ خمسمئة مليون دولار لدعم جهود مكافحة الجائحة، وتعزيز التأهب والاستجابة للحالات الطارئة، والمملكة مستمرة في الدفع بجهود الاستجابة الدولية للتعامل مع الجائحة ومعالجة آثارها”.
إظهار المؤشرات الإيجابية التي تعكس مظاهر تعافي الاقتصاد العالمي وقدرته على مواجهة تداعيات الجائحة، وهو ما تجسد في اجتماع وزراء المالية ومحافظي بنوك دول مجموعة العشرين، الذي ترأسته المملكة لتحديد ملامح المشهد الاقتصادي بعد مرور نحو 5 أشهر من ظهور الجائحة(5)، حيث أكد البيان الختامي لهذا الاجتماع، أن المملكة ــ ومعها بقية أعضاء مجموعة العشرين ــ نجحت حتى ذلك الحين في تجاوز أصعب مراحل الأزمة، من خلال الاستفادة من جميع الأدوات السياسية المتاحة لحماية الشعوب وضمان وظائف المواطنين، وتأمين سبل معيشتهم؛ فضلاً عن تطبيق إجراءات غير مسبوقة لضمان استقرار المالية العامة والتوازن النقدي والمالي، وضمان قدرة المؤسسات المالية الدولية والمنظمات الدولية ذات العلاقة على تقديم الدعم الضروري لاقتصادات الدول الناشئة والنامية والمنخفضة الدخل. وتنفيذًا لتلك الأهداف، قامت المجموعة بضخ 11 تريليون دولار أمريكي لحماية الاقتصاد العالمي، وتعليق مدفوعات الديون بقيمة 14 مليار دولار أمريكي للدول الأكثر فقرًا، إلى جانب دعم إصلاحات منظمة التجارة العالمية .
تعزيز جاهزية الدول لاقتصاد مستقبلي مشرق من خلال برامج اقتصادية واجتماعية شاملة للمرأة وضمان مشاركتها في صنع القرار وتوفير فرص مُمكنّة للنجاح، والالتزام بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المتعلقة بالمرأة على المستوى الدولي.
عقد قمة عالمية للذكاء الاصطناعي، ونجاح المملكة في أن تصبح ملتقى رئيسًا للعالم في هذا المجال، وأن تحتضن الذكاء الاصطناعي وتُسخِّر قدراته وإمكاناته لخير الإنسانية جمعاء، ودعوتها إلى الارتقاء بالأجيال الحاضرة والقادمة والتعاون لبناء اقتصادات المعرفة، وسد الفجوة الرقمية بين العالم المتقدم والعالم النامي.
إطلاق أول قمة دولية للمواصفات ــ في 18 ربيع الأول 1442 هـ الموافق 4 نوفمبر 2020م ــ بمدينة الرياض، ،برعاية معالي وزير التجارة الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي، لمناقشة دور المواصفات القياسية وأجهزة التقييس الوطنية في مواجهة الأزمات، ودورها في تمكين المؤسسات الحكومية والخاصة وغير الربحية على مواجهة الأزمات وتجاوزها والتقليل من آثارها السلبية؛ ودورها في ودعم التحول الرقمي.
وقد قام بتنظيم القمة الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، والأمانة السعودية لمجموعة العشرين، بالشراكة مع الهيئة العامة للغذاء والدواء، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، والمنظمة الدولية للتقييس ISO، واللجنة الدولية الكهروتقنية IEC، والاتحاد الدولي للاتصالات ITU، إلى جانب رؤساء أجهزة التقييس الوطنية في مختلف دول العالم.
وقد أكدات القمة على الدور الريادي الذي تلعبه المملكة في تعزيز سبل ووسائل التعاون والتكامل بين دول العالم في مختلف المجالات، وبالأخص المجالات الفنية التي تعزز القدرات الاقتصادية وتدفع بمعدلات التبادل التجاري والاستثماري لآفاق أوسع.
إقامة أول مؤتمر عالمي للموهوبين (المؤتمر العالمي الأول للموهبة والإبداع .. تخيل المستقبل)، الذي افتتحه ــ نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (يحفظه الله) صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض ــ في 21/3/1442هـ، الموافق 7/11/2020م. وهو مؤتمر عالمي يعقد لأول مرة باقتراح من المملكة، ضمن برنامج المؤتمرات الدولية المقامة على هامش عام الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين. وقد تولت تنظم هذا المؤتمر مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع “موهبة”(6) والأمانة العامة السعودية لمجموعة العشرين.
ويعد المؤتمر رسالة للعالم، بحرص المملكة على استشراف المستقبل، وتعزيز ريادتها العالمية لكل ما يتعلق بتنمية القدرات الشابة الموهوبة والمبدعة لتشكيل آفاق مستقبلية جديدة، والتأكيد مقدرة الموهوبين والمبدعين على صنع العالم الافتراضي وتوظيفه بكفاءة.
وقد شارك في المؤتمر 17 متحدثًا ومشاركًا من الخبراء والمهتمين بالموهبة من الداخل والخارج، وتناول ــ عبر جلساته المتعددة ــ عدة محاور، أبرزها: (رعاية الموهوبين في المملكة نموذج للتجارب الرائدة على مستوى العالم)، و(موهبة.. مسيرة عشرين عامًا)، و(تأسيس العالم الافتراضي من خلال الاستثمار في الموهوبين والمبدعين)، و(مستقبل العلوم والتقنية ورعاية الموهوبين والمبدعين في ظل الواقع الافتراضي)… وغيرها من الموضوعات، التي تولى إدارة جلسات النقاش فيها الطلاب والطالبات الموهوبين من أبناء مؤسسة (موهبة).
وحفاظًا على موقع الريادة العالمية الذي حققته المملكة في هذا المجال، ومواصلةً للدعم غير المحدود الذي تقدمه القيادة الرشيدة لمؤسسة (موهبة)، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله) بأن يقام هذا المؤتمر بصورة دورية منتضمة كل عامين.
إطلاق (مبادرة الرياض لمكافحة الفساد)، وهي مبادرة أطلقتها المملكة تحت مظلة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وتهدف إلى تعزيز التعاون المشترك في مجال إنفاذ القانون بين الجهات المختصة بمكافحة الفساد، وتندرج أبرز عناصر المبادرة في: إنشاء شبكة عالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد؛ وإنشاء منصة عالمية لتسهيل تبادل المعلومات بين سلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد؛ وإطلاق برنامج لبناء القدرات داخل الشبكة لمنسوبي سلطات مكافحة الفساد، لا سيما في الدول النامية؛ وتعزيز الاستفادة من شبكات إنفاذ القانون الدولية مثل شبكة الإنتربول والـ (OECD).
وقد تم إطلاق المبادرة خلال اجتماع وزراء مكافحة الفساد في دول العشرين، الذي عقد يوم 5/3/1442هـ، الموافق 22/10/ 2020م، برئاسة معالي رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد الأستاذ مازن بن إبراهيم الكهموس، وبمشاركة معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، ومعالي النائب العام الشيخ سعود بن عبدالله المعجب، ورؤساء وفود دول أعضاء المجموعة، والدول المشاركة، ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية؛ لمناقشة الالتزامات المناطة نحو استمرار دول العشرين في أن تكون مثاًلا يُحتذى به في الحرب العالمية ضد الفساد. وقد أيَّد الاجتماع ـــ في بيانه الختامي ــ المبادئ رفيعة المستوى المُنبثقة عن رئاسة المملكة لدول المجموعة خلال العام 2020م، والمتمثلة في تطوير وتنفيذ استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد، والتي تتماشى مع خطة عمل دول المجموعة لمكافحة الفساد للأعوام 2019 ـــ 2021م.
نجاح الجهود التي بذلها المملكة في رئاسة اجتماعات وزراء مجموعة العشرين، في استكمال الأعمال، وتعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء، والوصول به إلى أعلى مراتب التفاهم والتكامل، وهو ما عزز فرص نجاح اجتماع قادة المجموعة في 20 ـ 21 نوفمبر 2020م، لمناقشة خطط تطوير اقتصادات دول المجموعة والعالم، وإصدار بيانهم الختامي بالصورة المميزة من حيث الشمول والموضوعية والتوافق.
وتؤكد هذه الإنجازات ــ غير المسبوقة ــ في قمة العشرين على ما حققته المملكة من سبق في العديد من المجالات، عبر طرحها لعدد كبير من المبادرات، وتنظيمها للعديد من ورش العمل، التي أنتجت ــ في فترة قصيرة ــ مخرجات دخلت ضمن السياق الاقتصادي والتنموي العالمي العام، بما في ذلك تلك المبادرات الخاصة بمواجهة كورونا، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية في جميع المجالات. وهو ما يجعلها دولة الريادة لمجموعة العشرين.
وقد أشار خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) إلى هذا الدور الريادي الذي لعبته المملكة في قمة العشرين ــ في كلمته إلى مجلس الشورى بمناسبة انعقاد دورته الثامنة، في 25 ربيع الأولى 1442هـ، الموافق 11 نوفمبر 2020م ــ بقوله: “في تأكيد لريادة بلادكم، دعت المملكة العربية السعودية، التي ترأس الدورة الحالية لمجموعة العشرين، في ظرف جائحة فيروس كورونا المستجد، وبغية مواجهة عالمية تخفف آثار الجائحة، لعقد قمة استثنائية افتراضية، جرت في مارس الماضي، ونتطلع من قمة مجموعة العشرين، التي ستعقد هذا الشهر إلى تعزيز التنمية، وتحفيز التعاون عالمياً، لصنع مستقبل مزهر للإنسان”.
3. الإدارة الناجحة لأزمة كرونا:
على الرغم مما ألقته رئاسة قمة العشرين على كاهل المملكة من مسؤوليات كبيرة وتبعات ثقيلة، تطلبت استنفار مؤسسات الدولة بمفكريها ومتخصصيها وباحثيها، لتنفيذ خطط القمة وبرامجها بالدقة المطلوبة، فإن ذلك كله لم يصرف حكومة المملكة عن متابعة أزمة كرونا وإدارتها بوعي وروية، فكانت من أوليات دول العالم التي اهتمت بمواجهة الفيروس والتصدي له عبر استراتيجية شاملة، أسهمت في الحد من انتشاره وتفاقم نتائجه السلبية. وتميزت استراتيجية المواجهة بعدة مزايا، كان من أبرزها:
أولًا: الانتباه السريع للكارثة إبان ظهورها: حيث تنبأت المملكة العربية السعودية بخطر الفيروس في وقت مبكر، ويدل على ذلك الاتصال الهاتفي الذي قام به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله) مع فخامة الرئيس الصيني (شي جين) يوم 6/2/2020م، معبرًا له عن مشاركة السعودية للصين مشاعر الألم، نتيجة تفشي فيروس كورونا، معربًا عن تعازيه لأسر المتوفين وتمنياته للمصابين بالشفاء العاجل، مشيراً إلى ثقة المملكة في قدرة الحكومة الصينية في التعامل مع آثار هذا الفيروس. حيث يؤكد هذا الاتصال أن المملكة كانت تتابع الموقف داخل الصين منذ ميلاد الكارثة ــ في 17 نوفمبر 20219م، وهو اليوم الذي أعلن فيه أول إصابة بالفيروس ــ وقبل أن تنمو وتتسع ويتحول المرض إلى وباء يهدد دول وشعوب العالم. وتشير التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن المملكة كانت إحدى الدول القليلة في العالم التي قامت بإجراءات احترازية صارمة، قبل أن تسجل لديها إصابة واحدة من فيروس كورونا(7).
ثانيًا: الاستعداد المبكر لمواجهة الكارثة قبل تفاقمها: حيث تمت المبادرة إلى وضع خطة استراتيجية لمواجهتها والحد من آثارها السلبية على المواطنين والمقيمين في المملكة، وعمدت منذ بداية الكارثة إلى تكوين لجنة مختصة تعنى بمتابعة مستجدات الوضع الصحي لفيروس كرونا، ورصد مراحل تطوره، واتخاذ التدابير والإجراءات الاحترازية والوقائية ضده، وتكثيف الجهود الصحية وتنسيقها لتحديد الأساليب والآليات المناسبة لمحاصرته، عبر الاكتشاف المبكر للحالات المصابة، والعمل على عزلها من جهة، وتتبع من كان يختلط بها من أقارب وأصدقاء ونحوهم، للتأكد من عدم انتقال المرض إليهم من جهة أخرى.
وقد أسهم النظام الصحي المتكامل السائد في المملكة، والقائم على ربط المراكز الصحية بعضها ببعض، في جعل المملكة تتصدر قائمة الدول المكافحة لهذا الفيروس، كما جعلها من الدول الأقل تأثرًا به مقارنة بالدول الأخرى. كذلك كان لتعاون المملكة مع منظمة الصحة العالمية بمنتهى الشفافية والجدية، دور كبير في تقويم الوضع أولًا بأول، والاستفادة مما تقدمه المنظمة من معلومات وتوصيات أسهمت في التصدي للفيروس، منذ مرحلة ميلاده وظهوره، مرورًا بمرحلة نموه واتساع دائرة انتشاره، وحتى مرحلة نضجه وتحوله إلى (جائحة)، وفقًا لما أعلنته المنظمة يوم 11/3/2020م.
ثالثًا: تضافر وزارت ومؤسسات الدولة في مواجهة الكارثة: حيث حرصت قيادة المملكة على أن تطبق مفهوم الدولة الواحدة في مواجهة الكارثة، فوجهت جميع الوزارات والقطاعات للتعاون مع بعضها البعض، انطلاقًا من مفهوم الشراكة والتكامل والتناغم والتنسيق، وفوضت كل جهة منها باتخاذ القرارات والإجراءات التي تؤدي إلى توفير أقصى درجات الحماية من الإصابة للمواطنين والمقيمين، كما وفرت لكل جهة منها الآليات المطلوبة لتنفيذ ما اتخذته من قرارات وإجراءات، تصب في تنفيذ الخطة الاستراتيجية الشاملة، التي لم يكن من المسموح لأية جهة من الجهات المشاركة أن تعطلها أو تعدلها أو تؤجلها دون الرجوع إلى القيادة العليا للبلاد، التي كانت تراقب تنفيذ الخطة وتتابع نتائج التنفيذ متابعة دقيقة، وتقوِّم الموقف العام لكل مرحلة من مراحل تطور الكارثة.
رابعًا: احتواء الأضرار والحد من تفاقمها: حيث حرصت المملكة منذ الأيام الأولى لميلاد الكارثة، على متابعة أحوال المواطنين والمقيمين في الداخل، فضلًا عن القادمين منهم من الخارج، حيث كانت تقوم بفحص جميع القادمين فحصًا دقيقًا، وخصوصًا من كان منهم في الصين وغيرها من الدول التي انتشرت فيها حالات الإصابة بصورة ملحوظة، وكانت الجهات المسؤولة تقوم بعزل من تثبت إصابته منهم في معازل راقية، مزودة بكافة المتطلبات والخدمات التي يحتاج إليها المصاب، إلى أن تم اتخاذ القرار الخاص بتعليق السفر من وإلى الدول التي انتشر فيها الفيروس.
وفي هذا السياق قامت وزارة الصحة ــ عبر مركز إدارة الأزمات والكوارث الصحية الوطني ــ بتنفيذ العديد من الجهود للتصدي للفيروس الجديد والحد من انتشاره؛ حيث جهز المركز غرفة للعمليات والتحكم لتنفيذ ومتابعة مهام وزارة الصحة في إدارة الأزمات والكوارث المنصوص عليها في اللوائح والأنظمة، كما شكل نقطة التواصل الرسمية والسريعة بين الوزارة والقطاعات الحكومية الأخرى ذات العلاقة مثل الهلال الأحمر والدفاع المدني؛ فضلًا عن كونه نقطة الاتصال بجميع الفروع للشؤون الصحية في جميع مناطق المملكة والتي ترتبط بجميع المستشفيات والمراكز والقطاعات الصحية الأخرى الحكومية والخاصة.
ولم يقتصر دور الدولة على احتواء الأضرار الصحية للجائحة فحسب، بل بادرت إلى احتواء الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناشئة عنها، وذلك عبر تقديم الدعم المالي والتسهيلات اللازمة للمؤسسات الخاصة حتى لا تتعرض لخسائر فادحة تضطرها إلى إيقاف أنشطتها وتسريح العاملين فيها؛ وقد أشار خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) إلى هذا الدور الهام الذي قامت به الدولة ــ في كلمته أمام مجلس الشورى في دورته الثامنة ــ بقوله: إنه «في سبيل تخفيف الآثار الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا المستجد، سارعت بلادكم لتقديم مبادرات حكومية للقطاع الخاص، وخصوصاً المنشآت الصغيرة والمتوسطة، شملت أكثر من 218 مليار ريال، إضافة لدعم القطاع الصحي بمبلغ 47 مليار ريال. ولقد سعينا من خلال إدارة الجائحة إلى استمرار الأعمال وموازنة الأثر الاقتصادي والصحي والاجتماعي، وسنواصل التقييم المستمر، حتى انتهاء الجائحة».
خامسًا: اتخاذ العديد من الإجراءات الاحترازية والخطوات الوقائية، التي صدر بها العديد من القرارات الاستثنائية المهمة في التوقيت المناسب، كان من أبرزها:
تعليق الدخول إلى أراضي المملكة لأداء العمرة والزيارة والسياحة: ( 3 رجب 1441هـ، الموافق 27 فبراير 2020م).
تعليق دخول مواطني دول مجلس التعاون إلى مكة والمدينة؛ ( 5 رجب 1441هـ، الموافق 29 فبراير2020م).
تعليق أداء العمرة للمواطنين والمقيمين في المملكة، أسوة بمنع القدوم من خارج المملكة لأداء العمرة والزيارة: (9 رجب 1441هـ، الموافق 4 مارس 2020م).
إغلاق الحرمين الشريفين في غير أقات الصلاة، (9 رجب 1441 هـ الموافق 4 مارس 2020م) على أن يتم الإغلاق بعد صلاة العشاء بساعة، ويتم الفتح قبل صلاة الفجر بساعة؛ وذلك للمحافظة على نظافة الحرمين الشريفين لمنع انتشار العدوى، ولضرورة تكثيف أعمال التنظيف والتعقيم في الحرمين الشريفين، في غير أوقات الصلاة؛ كما تم إغلاق صحن المطاف حول الكعبة المشرفة، والمسعى بين الصفا والمروة طوال فترة تعليق العمرة، واقتصرت الصلاة على داخل المسجد فقط.
تعليق حضور الجماهير في المنافسات الرياضية بكافة الألعاب، (12 رجب 1441 هـ، الموافق 7 مارس 2020م)، وقد اتبع هذا القرار بقرار آخر ـــ صدر في (19 رجب 1441 هـ، الموافق 14/ 3/ 2020م) – منعًا لتهيئة البيئة الخصبة لنشر الفيروس بين الجماهير الرياضية.
تعليق السفر من وإلى الدول التي ينتشر فيها الفيروس، (14 رجب 1441 هـ، الموافق 8 مارس 2020م). وألحق هذا القرار بآخر صدر في (14 رجب 1441 هـ الموافق 9 مارس 2020 م)، ليضيف إلى قائمة الدول التي منع السفر إليها والقدوم منها في القرار السابق دولًا أخرى.
منع تقديم الشيشة والمعسل في المقاهي والمطاعم بكافة أنحاء المملكة، (14 رجب 1441 هـ الموافق 9 مارس 2020 م).
إيقاف الدراسة في كل مؤسسات التعليم العام والأهلي والجامعي والفني، (13 رجب 1441 هـ، الموافق 8 مارس 2020م)، على أن يتم تنفيذه بدءًا من من اليوم التالي لصدور القرار؛ ووجه وزير التعليم بتفعيل المدارس الافتراضية والتعليم عن بُعد خلال فترة تعليق الدراسة، بما يضمن استمرار العملية التعليمية بفاعلية وجودة.
تعليق الرحلات الجوية الدولية لمدة أسبوعين اعتبارً ا من 20 رجب 1441 هـ، الموافق 15 مارس 2020م وحتى إشعار آخر.
تعليق الحضور لمقرات العمل في الجهات الحكومية لمدة 16 يومًا، عدا القطاعات الحيوية، ومنها: الصحية، والأمنية، والعسكرية؛ واقتصار الخدمة في أماكن تقديم الأطعمة والمشروبات وما في حكمها على الأماكن الخارجية فقط. (20 رجب 1441 هـ، الموافق 15 مارس 2020م),
منع التجمعات في الأماكن العامة المخصصة للتنزه، مثل: الحدائق والشواطئ والمنتجعات والمخيمات. (20 رجب 1441 هـ، الموافق 15 مارس 2020م).
منع صلاة الجماعة في المساجد، باستثناء الحرمين الشريفين؛( 22 رجب 1441 هـ، الموافق 17/3/ 2020م)،
وتعليق حضور العاملين للمكاتب الرئيسية لمنشآت القطاع الخاص لمدة 15 يومًا.( 22 رجب 1441 هـ، الموافق 17/3/ 2020م)،
تتابع الأوامر الملكية وتوجيهات مجموعة إدارة الأزمة على مدى الشهور الماضية، بحظر التجوال: والذي كان يتم في بداية الأزمة بصورة مؤقتة خلال ساعات اليوم، وصولًا المنع الشامل، كما حدث أيام عيد الفطر المبارك، ثم العودة إلى الحظر المؤقت، وصولًا إلى رفع الحظر، عقب استقرار الأمور وانخفاض معدلات الإصابة في كل منطقة ومدينة من مدن المملكة، بل وفقًا لانتشار الإصابات في أحياء بعينها داخل كل مدينة.
المتابعة المستمرة لأحدث إحصاءات الفيروس والمؤشرات ذات الصلة للوقوف على مستوى انتشاره ـــ والتي أظهرت تسجيل انخفاض ملموس في عدد الحالات بشكل عام ـــ والتشديد في هذا الصدد على المواطنين والمقيمين بضرورة مواصلة الالتزام بتطبيق الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية وعدم التهاون، في ظل ما تشهده عدد من دول العالم من موجة ثانية وقوية للفيروس.
متابعة التقارير والمستجدات المتعلقة بالجائحة على المستويين الإقليمي والدولي، والإسهام فيما يتعلق بالأبحاث العالمية للوصول إلى لقاح مأمون، والحرص على تأمينه فور التأكد التام من فاعليته.
قصر إقامة فريضة الحج (1441هـ/ 2020م) على أعداد محدودة جداً للراغبين في أداء مناسك الحج لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة، وذلك حرصاً على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًا، وبما يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم؛ لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة.
وقد أشار خادم الحرمين الشريفين إلى ذلك ــ في كلمته للمواطنين والمقيمين وحجاج بيت الله الحرام وعموم المسلمين في كل مكان، بمناسبة عيد الأضحى المبارك ــ في10 ذو الحجة 1441 هـ الموافق 31 يوليو 2020 م ــ بقوله: « من أهم مقاصد شريعتنا السمحة حفظ النفس الإنسانية ، وحمايتها من الضرر ، وتجنيبها الخطر ، ومع التفشي الواسع للجائحة، وتأكيد خطورتها على البشر، فقد اقتصر الحج هذا العام على عدد محدود جداً من جنسيات متعددة ، تأكيداً على إقامة الشعيرة، رغم صعوبة الظروف، وحفاظاً على أقصى معدلات الأمان والسلامة الممكنة لحجاج بيت الله الحرام، ليؤدوا مناسكهم في أجواء روحانية، ضمن إجراءات تكفل أمنهم ، وتحقق سلامتهم، وتوفر سبل راحتهم من قبل الأجهزة المعنية بخدمة الحجاج ووقايتهم، وتطبق وسائل سلامتهم، حماية لضيوف الرحمن من مخاطر الوباء وآثاره، ونقدر الثقة العالية من إخواننا المسلمين بما اتخذناه من إجراءات بهذا الخصوص».
كما نوه إلى الأمر نفسه في كلمته أمام مجلس الشورى في دورته الثامنة ــ بقوله (يحفظه الله): «إننا نفخر بما شرفنا الله به من خدمة الحرمين الشريفين، وتوفير كل سبل الراحة لضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين، وقد حرصنا على إقامة الركن الخامس من أركان الإسلام رغم الظرف الاستثنائي المتمثل بجائحة كورونا المستجد التي أصابت العالم، ودفعنا المزيد من احتياطات السلامة والوقاية، فاقتصر الحج على عددٍ محدودٍ من مواطنين ومقيمين، لضمان صحة الحجيج».
صدور الموافقة الـكريمة بعودة الـعمرة تدريجيًا وفق الإجراءات الاحترازية: ( 5 صفر 1442هـ، الموافق 22 سبتمبر 2020م)، حيث أتاحت وزارة الحج والعمرة تطبيق «اعتمرنا» للراغبين في أداء العمرة للمواطنين والمقيمين من داخل المملكة ، بعد أن قامت برفع درجة الجاهزية وكامل الاستعدادات لخدمة المعتمرين، وفق أعلى معايير الجودة في تقديم الخدمات، إضافة إلـى تطبيق جميع الإجراءات الاحترازية، واستخدام جميع الأنظمة التقنية والبرامج الإلكترونية؛ لتسهيل الإجراءات وتقديم كامل الخدمات بكل سرعة وإتقان. وقد تم تنفيذ القرار على أربع مراحل، بدأ تنفيذ المرحلة الأولى منها يوم الأحد 17 صفر 1442هـ الموافق 4 أكتوبر 2020م، وتقضي بأن تكون نسبة المعتمرين 30% من الطاقة الاستيعابية (6 آلاف معتمر/اليوم)، مراعاةً للإجراءات الاحترازية الصحية للمسجد الحرام(8). .
وقد أشار خادم الحرمين الشريفين ــ في كلمته أمام مجلس الشورى في دورته الثامنة ــ إلى نجاح الدولة في التصدي للجائحة، وتحجيم خسائرها البشرية، شاكرًا المواطنين والمقيمين على تحليهم بالوعي بمخاطر الجائحة، والتزامهم بتنفيذ توجيهات الدول، مثمنًا جهود جميع العاملين من أبناء المملكة في مواجهة الجائحة ومكافحتها، وبخاصة الجنود البواسل في الحد الجنوبي الذين صمدوا في مواجهة العدو ومواجهة كرونا، وذلك بقوله (أيده الله): “لقد أثمرت جهود بلادكم في التصدي المبكر للحد من آثار الجائحة، وهو ما ساهم في تدني انتشار العدوى وانخفاض أعداد الحالات الحرجة. وأكرر شكري لإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي المواطنين والمقيمين، على تفهمهم وتعاونهم في اتباع التعليمات وتنفيذ الإجراءات، كما أشكر أجهزة الدولة كافة، على جهودهم في مواجهة الجائحة. وإني لأشكر من هذا المقام أبنائي الجنود البواسل في الحد الجنوبي، وأدعو لهم بالثبات، ولشهدائنا بالجنة”.
4. إدارة الأزمة النفطية مع روسيا والولايات المتحدة:
ما أن لاحت بوادر أزمة كورونا حتى انخفض إنتاج المصانع في أغلب دول العالم، كما انخفض الطلب على النقل ــ وخصوصًا في الصين التي بلغ انخفاض الطلب فيها إلى أدنى مستوى منذ العام 2008م ــ مما أدى إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط فانخفضت أسعاره انخفاضًا كبيرًا، أضر بمصالح الدول المنتجة (أوبك بلس)(9)؛ وتأكد هذا الضرر مع إعلان وكالة الطاقة الدولية ــ في 20 جمادى الآخرة 1441هـ، الموافق 15 فبراير 2020 ـــ عن توقعها بانخفاض نمو الطلب على النفط إلى أدنى معدل له منذ عام 2011م، .
وحرصًا من منظمة أوبك على تدارك الموقف، عقدت قمة في فيينا ــ يوم 10 رجب 1441هـ، الموافق 5 مارس 2020م ــ أسفرت عن موافقة أوبك على خفض إنتاج النفط بمقدار 1.5 مليون برميل إضافي يوميًا خلال الربع الثاني من العام، مع توقع المجموعة أن تراجع سياستها خلال اجتماعها التالي في 9 يونيو من العام نفسه. وفي 11 رجب 1441هـ، الموافق 6 مارس 2020م، دعت منظمة أوبك روسيا وغيرها من الدول غير الأعضاء في أوبك إلى الالتزام بقرار المنظمة من أجل الحفاظ على أسعاره عند مستوى معتدل، فرفضت روسيا طلب المنظمة وانسحبت من الاتفاقية(10)، منهية بذلك الشراكة ــ غير الرسمية ــ بينهما (أوبك بلس)، فانخفضت أسعار النفط 10% بعد الإعلان.
وإزاء هذا الموقف الروسي المتعنت، المخالف لـ (ميثاق الشرف بين الدول المنتجة للنفط)(11) ، اضطرت المملكة دفاعًا عن مصالحها النفطة ــ باعتبارها أهم وأكبر دولة نفطية في منظمة أوبك، وفي العالم أجمع، من حيث: الاحتياطي، والإنتاج، والصادرات، والطاقة التكريرية ــ أن تخفض أسعار نفطها، ما مكنها من زيادة مبيعاتها؛ فأسفر ذلك عن اشتعال حرب أسعار بين المملكة ــ ومعها دول الأوبك ــ وبين روسيا ــ والدول غير التابعة لأوبك ــ بدأت في 12 رجب 1441هـ/ 6 مارس 2020م. وكان هذا الصراع الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسة لانهيار سوق الأسهم العالمية وأحد الآثار الرئيسة في الوقت نفسه، ما جعل الرئيس الأمريكي يناشد المملكة وروسيا لحل الأزمة.
وسعيًا إلى حل الأزمة تم ــ في 15 شعبان 1441هـ/ 9 أبريل 2020م ــ عقد اجتماع وزاري (استثنائي) للدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول المنتجة للنفط من خارج المنظمة عبر تقنية «ويبينار» لعقد الاجتماعات على شبكة الإنترنت، برئاسة كل من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة (رئيسًا) ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك (رئيسًا مشاركًا). وشارك في الاجتماع كل من الأرجنتين وكولومبيا والإكوادور ومصر وإندونيسيا والنرويج وترينيداد وتوباجو والمنتدى الدولي للطاقة، بصفة مراقبين.
وخلال الاجتماع، أعلنت الدول المشاركة عن حرصها على التعاون، وأعادت التأكيد على التزامها المستمر بتحقيق الاستقرار في أسواق النفط والمحافظة عليه، وبالمصالح المشتركة للدول المنتجة، وبتوفير إمدادات آمنة واقتصادية وذات كفاءة عالية للمستهلكين، وبعوائد عادلة لرؤوس الأموال المستثمرة. وأسفر الاجتماع عن اتفاق من ست نقاط (12) أنهت الأزمة بسلام.
وفي 19 شعبان 1441 هـ، الموافق 12 أبريل 2020م، جرى اتصال هاتفي مشترك بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (يحفظه الله) والرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين، وتم خلال الاتصال استعراض أبرز ما تم التوصل إليه في ضوء اجتماع مجموعة (أوبك بلس)؛ وأعرب القادة عن ارتياحهم البالغ لما أثمرت عنه الجهود المبذولة لتحقيق استقرار أسواق البترول العالمية، والمحافظة عليه من قبل الدول المنتجة؛ كما تم التأكيد خلال الاتصال على ضرورة مواصلة الدول المنتجة القيام بمسؤولياتها والالتزام بها في سبيل استقرار الأسواق البترولية ولدعم الاقتصاد العالمي.
وبعد اتضاح الصورة الحقيقية للأسواق وانتقال أزمة الحصص إلى جميع المنتجات والاقتصادات الأخرى، أكدت جميع الوكالات العالمية أن المملكة كان لها كل الحق في أن تكافح ــ كغيرها من المنتجين ــ التراجع الذي شهده الطلب نتيجة إجراءات الإغلاق بسبب انتشار وباء كورونا، وأن سياستها التسعيرية والتصديرية سليمة تمامًا، وتفرضها قواعد السوق والمنافسة العادلة.
وقد أشار خادم الحرمين الشريفين ــ في كلمته أمام مجلس الشورى بمناسبة افتتاح السنة الأولى لدورته الثامنة ــ إلى دور المملكة في المحافظة على استقرار سوق النفط العالمية وضمان تدفقه بأسعار عادلة للمنتجين والمستهلكين، وبخاصة في ظل الظروف الاقتصادية المضطربة التي سببتها جائحة كورونا، بقوله (يحفظه الله): «كما عملت المملكة، ولا تزال تعمل لضمان استقرار امدادات البترول للعالم بما يخدم المنتجين والمستهلكين على حد سواء، على الرغم من الظروف الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم بسبب جائحة كورونا وانعكاساتها على أسواق البترول العالمية».
5. متابعة القضايا الإقليمية والدولية:
على الرغم مما شهده العام الماضي من تغيرات إقليمية حادة أثرت سلبًا على العديد من القضايا الإقليمية والدولية، إلا أن المملكة أكدت على نهجها الثابت من تلك القضايا، والذي يقوم على دعم المساعي السلمية لنشر الأمن والاستقرار بين دول وشعوب المنطقة والعالم، وهو النهج الذي أوضحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته التي ألقاها (يحفظه الله) أمام أعمال الدورة (الخامسة والسبعين) لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ــ عبر الاتصال المرئي ــ في 6 صفر 1442 هـ، الموافق 23 سبتمبر 2020 م ـــ بقوله: «وتنتهج المملكة في محيطها الإقليمي والدولي سياسة تستند إلى احترام القوانين والأعراف الدولية، والسعي المستمر لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في محيطها، ودعم الحلول السياسية للنزاعات، ومكافحة التطرف بأشكاله وصوره كافة».
وقد تم تطبيق هذا النهج السياسي على العديد من القضايا، التي كان من أهمها:
استمرار الدفاع عن الحقوق الفلسطينية:
كانت المملكة، ومازالت، تعدُّ القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين الأولى، ولطالما أكدت المملكة على موقفها الثابت منها، وطالبت بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأعلنت رفضها وإدانتها كل محاولات التهديد بفرض سياسات من شأنها انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، ودعت إلى السلام من خلال تفعيل المبادرة العربية.
وقد أعلن خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) هذا الموقف الراسخ من القضية الفلسطينية للعالم أجمع، موضحًا أن الحل العادل لهذه القضية هو السبيل لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وذلك في كلمته التي ألقاها أمام أعمال الدورة (الخامسة والسبعين) لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله (أيده الله): «إن السلام في الشرق الأوسط هو خيارنا الاستراتيجي، وواجبنا أن لا ندخر جهدًا للعمل معًا نحو تحقيق مستقبل مشرق يسوده السلام والاستقرار والازدهار والتعايش بين شعوب المنطقة كافة».
وأوضح (يحفظه الله) ما بذلته المملكة من جهود لتحقيق تلك الغاية بقوله: « … وقد طرحت المملكة مبادرات للسلام منذ عام 1981، وتضمنت مبادرة السلام العربية مرتكزات لحل شامل وعادل للصراع العربي الإسرائيلي يكفل حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما نساند ما تبذله الإدارة الأمريكية الحالية من جهود لإحلال السلام في الشرق الأوسط من خلال جلوس الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق عادل وشامل».
وأعاد خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) تأكيده على موقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية في كلمته إلى مجلس الشورى بمناسبة انعقاد دورته الثامنة ــ في 25 ربيع الأولى 1442هـ، الموافق 11 نوفمبر 2020م ــ بقوله إن: «المملكة تؤكد استمرار وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، كما أننا نساند الجهود الرامية لإحلال السلام في الشرق الأوسط بالتفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للوصول إلى اتفاق عادل ودائم».
مواصلة دعم الشرعية والشعب اليمني:
واصلت المملكة دعمها للشعب اليمني وسلطته الشرعية ــ سياسيًا وعسكريًا واقتصادياً وإنسانيًا ــ لاستعادة الأمن والاستقرار في ربوع اليمن، ودحر المليشيات الحوثية الانقلابية، وقد بذل خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين (يحفظهما الله) جهودًا مكثفة وحثيثة لجمع الكلمة بين الفرقاء في اليمن، والتحلي بروح الأخوة ونبذ الفرقة والانقسام من أجل إنهاء الصراع والدمار والتمزق الذي تعاني منه جموع الشعب اليمني و تحقيق الأمن والاستقرار لهذا البلد الشقيق.
وتأتي النتائج المعلنة لمؤتمر المانحين لليمن 2020 م، الذي دعت إليه ونظمته المملكة بالشراكة مع الأمم المتحدة افتراضيًا ــ في 14/10/1441هـ، الموافق 6/6/2020م ــ إنفاذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولـي العهد نائب رئيس مجلس الـوزراء وزير الدفاع (يحفظهما الله) ــ تحقيقًا لهذا الالتزام التاريخي من المملكة تجاه اليمن، حيث تم الإعلان أن المملكة قد التزمت بتقديم (500) مليون دولار من إجمالي المبلـغ الـذي رصدته الأمم المتحدة لتلبية الاحتياجات الإنسانية في الـيمن، وهو (1,35) ملـيار دولار أمريكي، ما يعني أن المملكة تعهدت بتقديم ما يعادل 50 % من إجمالي ما قدمته جميع الجهات المانحة، التي شاركت في المؤتمر، والتي بلغ عددها (127)جهة، وهو ما يؤكد أن المملكة لم تتوقف يوما عن دعم الشعب اليمني الشقيق، على الرغم من التحديات الأمنية والسياسية في اليمن، نتيجة لاستمرار ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران في تعنتها ورفضها للوصول لحل سياسي ينهي الأزمة اليمنية، إضافة لاستمرار الحوثيين في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلـى الشعب اليمني، الأمر الـذي فاقم من معاناتهم الإنسانية.
وقد أوضح خادم الحرمين الشريفين ـــ في كلمته بمجلس الشورى ــ موقف المملكة الداعم للشعب اليمني إلى أن يستعيد سيطرته على أراضيه ومقدراته ويتخلص من براثن الانقلابين والإرهابيين، وذلك بقوله (أيده الله): « … فإنّ المملكة، إضافة للمساعدات الإنسانية الكبيرة التي تقدمها لليمن مباشرة أو عبر المؤسسات الدولية، ومشروعات المصالحة ووقف النار؛ ستظل مصرة على مساعدة اليمنيين لاستعادة مدنهم وأرضهم من براثن الانقلاب والإرهاب، وحماية أمنها الوطني، وأمن البحار ومسالك التجارة العالمية».
التصدي للعدوان الحوثي وأعوانه:
في الوقت الذي تقوم فيه المملكة بدعم الشعب اليمني لاستعادة الشرعية، فإنها تحرص على التصدي للعدوان الحوثي المدعوم إيرانيًا، الذي يستهدف مدن المملكة وشعبها بالصواريخ الباليستة والطائرات المسيَّرة، وأن تكشف أمام العالم الدور الإيراني الآثم فيما يحدث في اليمن، عبر ما تقدمه حكومة طهران من دعم مالي وتسليحي وعسكري وسياسي للمليشيات الحوثية الانقلابية وغيرها من الجماعات الإرهابية، التي تعيث ــ في اليمن بخاصة والمنطقة بعامة ــ فسادًا يحول دون تحقيق الأمن والاستقرار فيهما.
وقد وضح خادم الحرمين الشريفين هذا الدور الإيراني ــ في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ــ عبر الاتصال المرئي ــ في 6 صفر 1442 هـ، الموافق 23 سبتمبر 2020م ــ بقوله (يحفظه الله): «إن تدخلات النظام الإيراني في اليمن من خلال انقلاب المليشيات الحوثية التابعة له على السلطة الشرعية أدت إلى أزمة سياسية واقتصادية وإنسانية، يعاني منها الشعب اليمني الشقيق، وتشكل مصدراً لتهديد أمن دول المنطقة والممرات المائية الحيوية للاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى قيام تلك المليشيات بتعطيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني، وعرقلة جميع جهود التوصل إلى حل سياسي في اليمن، وعدم تجاوبها مع جهود التهدئة».
وأكَّد (أيده الله) أمام ممثلي دول العالم في الأمم المتحدة، حق المملكة في الرد على هذا العدوان الآثم والمتكرر على المدن السعودية، مشيرًا أن ذلك العدوان السافر لن يثني المملكة عن مواصلة الدعم للشعب اليمني حتى يستعيد شرعية ويتخلص من محاولات الهيمنة الإيرانية عبر المليشيات الحوثية الإجرامية، حيث قال (يحفظه الله): «أن المملكة لن تتهاون في الدفاع عن أمنها الوطني، ولن تتخلى عن الشعب اليمني الشقيق حتى يستعيد كامل سيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية، وستستمر في تقديم الدعم الإنساني للشعب اليمني الشقيق، كما سنواصل دعمنا لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، وفقاً للمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار اليمني الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216».
كما أكد على الموقف نفسه ــ في كلمته إلى مجلس الشورى بمناسبة انعقاد دورته الثامنة ــ في 25 ربيع الأولى 1442هـ، الموافق 11 نوفمبر 2020م ــ بقوله: «نستنكر انتهاك مليشيا الحوثي الإرهابية ـ المدعومة إيرانيًا ـ القوانين الدولية، بإطلاق طائرات مفخخة من دون طيار، وصواريخ بالستية تجاه المدنيين بالمملكة، مؤكدين دعم الشعب اليمني الشقيق لاستعادة سيادته واستقلاله، بواسطة سلطته الشرعية».
تأييد الحل السياسي للأزمتين الليبية والسورية:
عندما أعلن المجلـس الـرئاسي ومجلس الـنواب وقف إطلاق الـنار في ليبيا ــ 4 محرم 1442هـ، الموافق 23 أغسطس 2020م ــ رحبت حكومة المملـكة بالقرار، وأكدت على ضرورة البدء في حوار سياسي داخلي يضع المصلحة الوطنية الليبية فوق كل الاعتبارات، بما يؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار للشعب الليبي الشقيق، ويمنع التدخل الخارجي، الذي يعرض الأمن الإقليمي العربي للمخاطر.
وقد أشار خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) إلى اهتمام المملكة ومتابعتها لما يدور على الساحة اللبية في كلمته أمام دول العالم في الاجتماع الخامس والسبعين للجمعية العامة في الأمم المتحدة ــ في 6 صفر 1442 هـ، الموافق 23 سبتمبر 2020م ــ بقوله (أيده الله): «إننا نتابع باهتمام تطورات الأوضاع في ليبيا، مجددين ترحيب المملكة بتوقيع اللجان العسكرية الليبية المشتركة الاتفاق الدائم على وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، متطلعين إلى أن يمهد الاتفاق الطريق لإنجاح التفاهمات الخاصة بالمسارين السياسي والاقتصادي، بما يسهم في تدشين عهد جديد يحقق الأمن والسلام والسيادة والاستقرار لليبيا وشعبها الشقيق، داعين إلى وقف التدخل الخارجي في الشأن الليبي». كما أكد على الموقف نفسه في كلمته بمناسبة افتتاح الدورة الثامنة لمجلس الشورى ــ في 25 ربيع الأولى 1442هـ، الموافق 11 نوفمبر 2020م ــ بقوله: «وإننا إذ نتابع بقلق التطورات في ليبيا، وندعو جميع الأشقاء الليبيين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، والوقوف صفاً واحداً للحفاظ على وحدة ليبيا وسلامتها، فإننا ندين التدخلات الأجنبية في ليبيا».
واتخذت المملكة الموقف نفسه من القضية السورية، حيث أشار إليه خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤكدًا حرص المملكة على «تأييد الحل السلمي بسوريا وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، ومسار جنيف 1»، ومشددًا على «وجوب خروج الميلشيات والمرتزقة منها، والحفاظ على وحدة التراب السوري»، كما أشار إليه في كلمته لمجلس الشورى بقوله: «كما نؤيد الحل السلمي في سوريا وخروج المليشيات والمرتزقة منها والحفاظ على وحدة التراب السوري».
التصدي للمطامع الإيرانية:
لم يوقف النظام الإيراني نشاطه التوسعي، وبناء شبكاته الإرهابية، واستخدام الإرهاب، وإهدار مقدرات وثروات الشعب الإيراني لتحقيق مشاريع توسعية لم ينتج عنها إلا الفوضى والتطرف والطائفية. واستمراراً لذلك النهج العدواني، يواصل النظام الإيراني دعمه للميليشيات الحوثية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، التي يتم تجميع أجزائها في اليمن عبر خبراء من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، ليتم إطلاقها على المدن والمنشآت النفطية السعودية، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، واعتداء على الأمن والسلم الدوليين.
ومع ما تقوم به المملكة من تصدٍ لذيول هذا النظام (المليشيات الحوثية) في اليمن، فإنها تسعى إلى فضحه وكشف إجرامه وخطورته على المنطقة والعالم في المحافل الدولية، ففي كلمته التي ألقاها في الاجتماع الخامس والسبعين للجمعية العامة في الأمم المتحدة ــ في 6 صفر 1442 هـ، الموافق 23 سبتمبر 2020م ــ أوضح خطورة هذا النظام الإجرامي بقوله (أيده الله): إن «المملكة تؤكد خطورة المشروع الإقليمي للنظام الإيراني، وترفض تدخله في شؤون الدول الداخلية، ودعمه الإرهاب والتطرف وتأجيج الطائفية، وتدعو المجتمع الدولي لاتخاذ موقف حازم تجاه إيران، يضمن منعها من الحصول على أسلحة دمارٍ شاملٍ وتطوير برنامج الصواريخ البالستية وتهديد السلم والأمن».
دعم العراق والسودان من أجل تحقيق الاستقرار:
منذ عودة العراق إلى الصف العربي، والمملكة لا تألو جهدًا في دعمه لاستعادة عافيته واسترداد أمن واستقراره الداخلي والإقليمي، ويحرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان (يحفظهما الله) أن يؤكدا على «الوقوف مع العراق وشعبه الشقيق»؛ فقد صرح خادم الحرمين الشريفين ــ في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ــ بالقول: «نساند جهود حكومة العراق في سبيل استقراره ونمائه وحفاظه على مكانته في محيطه العربي، وتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين والتعاون في مختلف المجالات من خلال مجلس التنسيق السعودي العراقي».
ويتطابق موقف المملكة المؤيد والداعم لاستقرار العراق مع موقفها الداعم لاستقرار السودان، حيث حرصت المملكة على المشاركة في مراسم حفل توقيع اتفاق جوبا للسلام ــ في 2 صفر 1442، الموافق 3 أكتوبر 2020م ــ فقد شارك ــ نيابة عن خادم الحرمين الشريفين ــ وزير الدولة لشؤون الدول الأفريقية أحمد بن عبدالعزيز قطان، ونقل باسم خادم الحرمين الشريفين وولي العهد خالص التهاني لقيادة وشعب السودان الشقيق، بمناسبة التوصل إلى اتفاق جوبا للسلام، موضحًا أن حكومة المملكة عازمة على الاستمرار في دعمها الشعب السوداني الشقيق لتحقيق طموحاته وآماله المشروعة، وأنها واثقة في قدرة الأشقاء في السودان على المضي قدماً في طريق السلام وتجاوز تبعات الماضي وصناعة مستقبل مشرق على أسس التعايش السلمي المشترك والعدالة وتكافؤ الفرص. وقد صرح خادم الحرمين الشريفين موقف بلاده الداعم لاستقرار السودان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله: إنه «بوصف المملكة رئيسًا لمجموعة أصدقاء السودان، فإنها تشدد على أهمية دعم السودان حاليًا، وتؤكد الدعم السياسي الكامل لمحادثات جوبا للسلام».
تقديم العون للشعب اللبناني:
لم تغفل المملكة عن الشعب اللبناني الشقيق، وما يتعرض له من مآس داخلية بسبب قواه السياسية المتناحرة على السلطة، وخصوصًا حزب الله التابع لإيران، المقدم لمطامعها الإقليمية على مصالح الشعب اللبناني نفسه؛ ولا تتوانى المملكة ــ إذا ما أتيحت لها الفرصة ــ أن تبذل ما لديها ممن دعم للشعب اللبناني ليجتاز أزماته الداخلية ويحقق الأمن والاستقرار المنشودين، وقد تجلى ذلك بوضوح عندما تعرض لبنان إلى كارثة انفجار مرفأ بيروت ــ في 14/12/1441هـ ــ 4/8/2020م ــ حيث بادرت المملكة إلى إعلان وقوفها مع الشعب اللبناني في محنته، محذرة من مخاطر سيطرة حزب الله على الشأن اللبناني بقوة السلاح، وتقويضه لأمن لبنان الداخلي وتطلع شعبه للاستقرار.
وقد عبر خادم الحرمين الشريفين ــ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ــ عن موقف المملكة الثابت مما يدور في لبنان بقوله (يحفظه الله): «كما أننا نقف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، الذي تعرض إلى كارثة إنسانية بسبب الانفجار في مرفأ بيروت، ويأتي ذلك نتيجة هيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح مما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية، وإن تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء يتطلب تجريد هذا الحزب الإرهابي من السلاح».
ولا شك أن هذه السياسة الحكيمة التي تتبعها المملكة تجاه الأزمات الإقليمية تعزز جهودها المستديمة الـهادفة في تحقيق الأمن الإقلـيمي، الـذي يرتبط بالأمن الـدولـي؛ وترسخ الدور الريادي للمملكة فيما تبذله من جهود لتحقيق الـسلام العادل بالـشرق الأوسط؛ وذلك علـى الـنقيض مما يشهده الـعالـم من سلـوك بعض دول المنطقة، الـتي تصر على التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا والعراق واليمن ولبنان … وغيرها من الدول العربية، لزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى والاضطرار عبر دعم الميليشيات الإرهابية، التي تنفذ أجنداتها وتسهم في بلوغ غاياتها الخبيثة التي تحول دون تحقيق السلام الإقليمي والعالمي.
ثانيًا: الإنجازات الاقتصادية:
على الرغم مما سببته أزمة كورونا من خلل واختلال في الأحوال الاقتصادية للعديد من دول العالم، فإن الاقتصاد السعودي ظل متماسكًا وصامدًا في مواجهة الأزمة، ليس على المستوى الداخلي فحسب، بل وعلى المستويين الإقليمي والدولي؛ وقد أشرنا ــ في معرض حديثنا عن رئاسة المملكة لقمة العشرين وإدارتها لأزمة كورونا ــ ملامح لهذا التماسك والصمود، وسنورد هنا تفصيلًا لذلك من خلال استعراضنا لأبرز الإنجازات الاقتصادية التي تم تحقيقها في الداخل على مدى العام الماضي:
1. صمود الميزانية العامة للدولة في مواجهة كورونا:
على الرغم من صدور الميزانية العامة للدولة في شهر ديسمبر 2019م، قبل أن تتجاوز أزمة كورونا حدود الصين لتنتشر في أرجاء العالم، مهددةً الشعوب والحكومات صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، إلا أن الميزانية العامة للمملكة صمدت في مواجهة الأزمة، ولم تعاني المملكة من الانهيار الاقتصادي الذي أصاب العديد من الدول وتسبب في إفلاس الكثير مؤسسات القطاع الخاص وتسريح من فيها من عمال وموظفين، ليواجهوا ضائقة اجتماعية ونفسية شديدتين بسبب انقطاع مصادر دخلهم أو تدنيها للحد الذي لا يكفي متطلبات الحياة الكريمة.
ويعود صمود الميزانية العامة في مواجهة الوباء إلى أمرين:
الأول: ارتفاع حجم الإنفاق في الميزانية المعتمدة قبل الأزمة، وقد أشار إلى ذلك خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) ــ في كلمته التي ألقاها بمناسبة الإعلان عن الميزانية العامة للدولة في 12 ربيع الآخر 1441هـ/ 9 ديسمبر 2020م ـــ بالقول: « ويبلغ الإنفاق في هذه الميزانية ( ترليون وعشرين مليار ريال ). إن هذا المستوى من الإنفاق يؤكد حرصنا على استكمال تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030».
الثاني: مسارعة الدولة إلى ضخ مزيد من الأموال على شكل حزم متتابعة من الدعم للقطاع الخاص والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ودعم أجور العاملين حفاظا على قوة العمل في الاقتصاد عند مستوياتها الطبيعية، حيث بلغ إجمالي هذا الدعم السخي أكثر من 120 مليار ريال، كما تم دعم القطاع الصحي بما يزيد على 47 مليار ريال.
ومع أن هذا الكم من الدعم كان لا بد من أن يؤثر في ميزانية أية دولة في العالم، ويتسبب في خلط الأوراق والتقديرات وتفاقم العجز، إلا أن التقرير الربعي الأول الصادر عن وزارة المالية لأداء الميزانية العامة للدولة للسنة المالية الحالية 2020، بيَّن أن الاقتصاد السعودي والمالية العامة في وضع آمن تمامًا، وأن قدرتها على المضي قدمًا في تنفيذ الأهداف المخطط لها منذ بداية العام تسير بشكل صحيح، حيث بلغت الإيرادات (192) مليار ريال، فيما بلغت المصروفات (226) مليار ريال بعجز قدره (34) مليار ريال، بما نسبته (18%) من إجمالي العجز المخطط له في نهاية العام، وهو أقل مما كان متوقعًا، مما يدل على الحصافة المالية والتعامل المثالي مع الجائحة وآثارها المدمرة.
2. الاستمرار في الإصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل:
يتفق كثير من المحللين الاقتصاديين على أن الإصلاحات الاقتصادية التي انتهجتها حكومة المملكة في السنوات الماضية تنفيذًا لرؤية 2030، والتي قطعت المملكة شوطاً كبيراً في تحقيق أهدافها، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (يحفظهما الله)، نجحت في تجنيب اقتصاد المملكة الكثير من التبعات الصعبة الـتي كان من المتوقع أن تتسبب بها آثار جائحة كورونا ، فضلًا عن تدني أسعار النفط إلى أقل مستوى لها منذ عام 2008م، كما سبقت الإشارة.
وقد أكَّد خادم الحرمين الشريفين ــ في كلمته التي ألقاها بمناسبة الإعلان عن الميزانية العامة للدولة ــ في 12 ربيع الآخر 1441هـ/ 9 ديسمبر 2020م ــ على أن مسيرة الإصلاح الاقتصادي التي بدأتها الدولة، لن تتوقف قبل أن تؤتي أوكلها وتحقق أهدافها التنموية الشاملة، وذلك بقوله: “ إننا عازمون (بعون الله) على الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل، بما في ذلك استثمار متحصلات طرح شركة أرامكو السعودية من قبل صندوق الاستثمارات العامة، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتمكين القطاع الخاص، ورفع مستوى شفافية وكفاءة الإنفاق الحكومي لتعزيز معدلات النمو والتنمية”.
وتجسدت ملامح نجاح الإصلاح الاقتصادي في أن المملكة قد واصلت خططها التنموية عبر موارد الدخل المتنوعة، والمتمثلة في الاحتياطيات الوفيرة من من العملة المحلية والأجنبية، والأصول والاستثمارات المتعاظمة للصندوق السيادي، كما أنجزت العديد من الشراكات الذكية في رؤية مستقبلية شاملة لتوطين الصناعات. كما تجسدت في أن المملكة أصبحت دولة فاعلة في رسم سياسة الاقتصاد العالمي وقبلة آمنة للاستثمارات من مختلف دول العالم؛ وهو ما تجلى بوضوح في النقاشات وورش العمل والاجتماعات الخاصة بالجانب الاقتصادي في قمة العشرين.
3. إصلاح منظومة التمويل في المملكة:
يعد هذا المنجز الاقتصادي الهام، إحدى ثمار المنجز السابق، فمسيرة الإصلاح لا تتوقف عند بعض عناصر المنظومة الاقتصادية، بل تشمل جميع العناصر، ومنها عنصر التمويل، الذي يعد أحد أهم القطاعات الاقتصادية التي تتعامل بشكل مباشر مع الشركات والأفراد على حد سواء، ومع ذلك فإنه كان يعاني من عدم الانضباط، بسبب قيام العديد من المؤسسات والأفراد غير المرخص لها بممارسته دون دراية أو خبرة؛ مما أدى إلى وجود أنواع من الفوائد الضمنية غير المعلنة في الأسواق وغير المراقبة، كما تسبب في تنامي ظواهر اقتصادية سيئة ـ كظاهرة التمويل الخفي في الميزانية ـ ما مكن عديدًا من هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الحصول على تمويل صريح من المؤسسات المصرفية عند أسعار فائدة معلنة في الأسواق، بينما وضع المؤسسة لا يؤهلها لمثل هذا، ما يعرّض النظام المصرفي لمخاطر غير محسوبة.
وقد تم القضاء على هذه الظاهرة بإصدار خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) أمرًا ملكيًا يقضي بوضع ضوابط تضمن الحد من ممارسة نشاط التمويل من غير المرخص لهم، وفق نظام مراقبة شركات التمويل، و تطبيق مفهوم التمويل المسؤول، المتبع للمفاهيم العلمية للتمويل، المراعي لمصلحة المجتمع وكل أطراف عملية التمويل، الخاضع لإشراف الدولة وأجهزتها الرقابية، البعيد عن المزاجية والاجتهادات الشخصية التي تضر بالاقتصاد السعودي وبمصالح المواطن؛ وإنفاذًا لهذا الأمر الملكي الكريم، فسوف يتم رصد جهات التمويل غير الرسمية من شركات وأفراد، وتسريع محاكمتهم، وإيقاع العقوبات المقررة عليهم نظامًا.
4. السعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة:
حرصت المملكة منذ البدء في تنفيذ رؤية 2030، أن تكون التنمية المستدامة في جميع المجالات هدفًا رئيسًا من أهداف الرؤية، بل هي الهدف الرئيس للرؤية؛ وقد أكدت المملكة ــ في كلمتها، خلال المناقشـة العامـة لأعمـال اللجنـة الاقتصاديـة والماليـة في الـدورة الـ 75 للجمعيـة العامـة للأمـم المتحـدة، والتي ألقاها رئيـس اللجنـة الاقتصاديـة والماليـة في وفد المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة فيصـل الحقباني ــ في 21 صفر 1442هـ، الموافق 8 أكتوبر 2020 م ــ التزامها الكامل بتحقيق أهداف التنمية المستدامة جنباً إلى جنب مع تنفيذ رؤيتها 2030 التي تمضي بخطى ثابتة وزخم كبير، إلى جانب استمرارها في تضمين أهداف التنمية المستدامة ودمجها في السياسات والخطط العامة عبر التعاون الوثيق بين جميع الأطراف المعنية، والاستمرار في تعاونها مع شركائها في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وضمان ألا يتخلف أحد عن الركب، فحاضر اليوم وما ينتج عنه من أنظمة وقرارات سيرسم مستقبل أوطاننا وشعوبنا.
وقد أشار خادم الحرمين الشريفين ــ في كلمته أمام مجلس الشورى في بداية دورته الثامنة ــ إلى أن «رؤية المملكة 2030 هي خارطة الطريق لمستقبل أفضل لكل من يعيش في هذا الوطن الطموح»، وقال: إن «الرؤية أسهمت خلال مرحلة البناء والتأسيس في تحقيق مجموعة من الإنجازات على عدة أصعدة، أبرزها: تحسين الخدمات الحكومية، ورفع نسبة التملك في قطاع الإسكان، وتطوير قطاعات الترفيه والرياضة والسياحة، واستقطاب العديد من الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى تمكين المرأة وتفعيل دورها في المجتمع وسوق العمل، ونستعد حاليا لمرحلة دفع عجلة الإنجاز التي تتسم بتمكين المواطن، وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر، وزيادة فاعلية التنفيذ».
ونوه (يحفظه الله) إلى أن السير في تنفيذ الرؤية جعل المملكة على قائمة الدول الأكثر تقدمًا في مسيرة الإصلاح، بقوله: «يسرنا أن المملكة اليوم أصبحت الدولة الأكثر تقدمًا وإصلاحًا من بين 190 دولة، وفقا للبنك الدولي، وأن المملكة حققت المرتبة الأولى خليجيًا والثانية عربيًا، في تقرير البنك الدولي: (المرأة، أنشطة الأعمال والقانون 2020)».
5. تنامي الاستثمارات السعودية في الأسواق العالمية:
يعد صندوق الاستثمارات العامة السعودي أحد الأعمدة الرئيسة التي يرتكز عليها الاقتصاد السعودي، وقد تمكن الصندوق من الاستحواذ على حصص كبيرة في عدد من الشركات ــ بما في ذلك: «بي بي» و»بوينج» و»سيتي جروب» و»فيسبوك» و»ديزني» ــ كما أنه يتطلع لاستكشاف الفرص الاستثمارية حول العالم، ويسعى إلى تعزيز استثماراته في قطاع التقنية، على وجه الخصوص.
ورغم ما خيم على الاقتصاد العالمي خلال العام الماضي من ركود، إلا أن صندوق الاستثمارات كثف نشاطه، مستفيدًا من الركود في تنمية استثماراته، حيث إنه استحوذ ــ في بداية أبريل 2020م ــ على حصة من شركة سفن الركاب الأمريكية (كارنفال)، في وقت فقد فيه سهم الشركة نحو (80) في المائة من قيمته منذ بداية العام الحالي؛ نظرًا لما يمر به قطاع سفن الركاب في العالم من ظروف صعبة نتيجة تداعيات تفشي وباء كورونا، حيث كان تداول سهم الشركة في بداية العام يتم بأكثر من (50) دولارًا، في حين تم تداوله مع تداعيات الأزمة بأقل من عشرة دولارات.
كما تشير التقارير الاقتصادية إلى أن الصندوق قد استحواذ على حصص في أربع شركات طاقة أوروبية، حيث يحوز الصندوق (0.3) في المائة في شركة النفط والغاز النرويجية بما يضع الصندوق السعودي في المركز الـ(19) بين كبار مساهمي الشركة، وتملك الحكومة النرويجية (67) في المائة. وعلى النحو نفسه جاءت استثمارات الصندوق في شركات الطاقة؛ نظرًا لانخفاض أسهم هذه الشركات بصورة كبيرة، فقد انخفضت أسهم (إكوينور) إلى (95.20) كرونة في 16 مارس 2020م، مسجلة أدنى مستوياتها منذ 2008م، لكنها انتعشت بعد ذلك لتبلغ (135.50) كرونة.
كما استحوذ الصندوق على حصص في أربع شركات نفط عملاقة في أوروبا بقيمة مليار دولار شملت: Equnior, Royal Dutch Shell, Total, Eni SpA. كما واصل صندوق الاستثمارات العامة صفقاته حيث استحوذ على 15 في المائة من Related Companies أحد عمالقة التطوير العقاري في أمريكا التي تقوم بتشغيل أصول بقيمة تفوق الـ(60) مليار دولار في عدد كبير من المدن حول العالم.
وتأسيسًا على تلك التقارير، فإن الصندوق السعودي قد أصبحت له حقوق وملكية وبعضها ذات تأثير في كثير من القطاعات والشركات العالمية، بدءًا بشركات التقنية، وشركات الطاقة، حتى شركات السياحة التي يرى محافظ (الصندوق السعودي) أنها تمثل فرصا جيدة؛ نظرًا لتراجع الأسهم مع توقف الأعمال المؤقت نتيجة الجائحة الصحية.
6. التربع على قائمة التنافسية الرقمية:
في 20 محرم 1442 هـ، الموافق 8 سبتمبر 2020 م، أعلنت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن المملكة قد احتلت المرتبة الأولى وتربعت على قائمة دول مجموعة العشرين في التنافسية الرقمية خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك ضمن تقرير التنافسية العالمي من المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية، الذي يستند على تقرير التنافسية لمنتدى الاقتصاد العالمي.
ويأتي هذا الإنجاز ثمرة للدعم والتمكين والتوجيه الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين (يحفظهما الله) لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات على مدى السنوات الماضية، ويعكس القفزات النوعية التي حققتها المملكة على مستوى البنية الرقمية، وتنمية القدرات الرقمية، والمشاريع الرقمية الضخمة، إضافة إلى نضج التنظيمات والتشريعات الرقمية.
ويقيس التقرير المنجزات والخطوات التي قامت بها المملكة خلال السنوات الثلاث الماضية، عبر عدة معايير من خلال محورين، الأول يتعلق بالنظام البيئي للتحول الرقمي، من حيث الاستثمارات في رأس المال الجريء، وسهولة أداء الأعمال، والقدرات الرقمية للنشء، فيما يتضمن المحور الثاني الاستعداد لتبني التحول الرقمي والابتكار، من حيث القدرات الرقمية للقوى العاملة، والاستعداد لمخاطر ريادة الأعمال، وانتشار النطاق العريض، والأفكار الابتكارية في الشركات.
واستمد التقرير مرتكزاته التي أعطت المملكة قفزة نوعية لتحقيق هذا المنجز، والتي تمثلت في استراتيجية قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات 2023 المستمدة من رؤية المملكة 2030 لبناء حاضر ومستقبل أكثر تطورًا، شملت تحول قطاع الاتصالات، وتوطين التقنية والابتكار، ومضاعفة سوق التقنية، وفي المرتكز الثاني المختص بالتشريعات والتنظيمات من خلال تمكين المدفوعات الرقمية والتجارة الالكترونية، وسهولة أداء الأعمال، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي، بينما تمحور المرتكز الثالث حول الاستثمار، الذي شمل الاستثمار في نيوم، والاستثمارات في الشركات العالمية، وبناء ثقافة ريادة الأعمال، وتمكين الشركة السعودية للاستثمار في رأس المال الجريء.
7. الحفاظ على الثبات والقدرة الاقتصادية العالية:
عندما فاجأت جائحة كورونا دول العالم، كان الاقتصاد العالمي يعاني كثيرًا من التباطؤ الاقتصادي وثقل الدين العام العالمي، مع ما فرضته التعريفات الجمركية والحرب التجارية من ضبابية، إضافة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيما عرف باتفاقية (بريكست)؛ وضاعفت كورونا من هذه الأوضاع المضطربة لتهوي بالقدرات الاقتصادية لكثير من دول العالم إلى مستويات متدنية.
وكانت المملكة مع غيرها من الدول النفطية ــ وفقًا لتوقعات كثير من المحللين والخبراء الاقتصاديين ـــ مرشحة للاختلال الاقتصادي جراء انهيار الأسعار في غضون أيام قليلة من سقف (60) دولارًا إلى أن لامست (20) دولارًا للبرميل ، وكان هذا الانهيار في الأسعار كفيلًا بإحداث أزمة اقتصادية هائلة، وتوقيف عجلة الاقتصاد، مع انهيار شبه حتمي في الاحتياطيات من العملة الأجنبية، خصوصًا وأن المملكة قد شهدت مثل هذا التحدي المرعب في عام 2015م عندما انهارت الأسعار من سقف (80) دولارًا؛ إلا أن الاقتصاد السعودي كذَّب جميع التوقعات، وفاجأ المحللين والخبراء بقدرته العالية على التماسك والثبات والتوازن، مع فاعلية واسعة في المالية العامة وفي مستوى توفر السلع.
وقد أكدت وكالات التصنيف العالمية على قوة ومرونة الاقتصاد السعودي، حيث أعلنت وكالة (فيتش) التصنيف الائتماني طويل الأجل للمملكة عند A مع نظرة مستقبلية مستقرة. ولم تكن هذه النظرة قاصرة على وكالة فيتش، بل إن (موديز) أيضا وضعت المملكة عند تصنيف (A1) مع نظرة مستقبلية مستقرة، على أساس أن التجربة الأخيرة لتراجع أسعار النفط وعدم تأثر الاقتصاد السعودي بشكل واسع، يؤكد قدرة المملكة على تحمل هذه المستويات، ما يعني أنها تمتلك ميزة تنافسية كبيرة أمام المنتجين الآخرين، ما يؤكد النظرة المستقرة للاقتصاد السعودي. كما أكدت الأمر نفسه وكالة (إس آند بي جلوبال)، عبر تصنيفها للديون السيادية للسعودية عند (A-2 /A-) مع نظرة مستقبلية مستقرة، مؤكدة أن السعودية تمتلك من الأصول ما يجعلها قادرة على مواجهة الأزمات مع قدرتها على دعم اقتصادها ومقابلة خدمات الدين.
وتتعضد تلك التصنيفات الائتمانية للاقتصاد السعودي بالتقديرات المتوقعة للنمو الاقتصادي، حيث تشير إلى أن الـناتج المحلـي الإجمالـي الحقيقي في المملكة للعام الحالي سوف يحقق نموًا تصل نسبته إلى (4,9 %) مقارنة بالنسبة التي تم تقديرها في شهر أكتوبر الماضي بـ (2,0)، وعليه تتجه التوقعات إلى أن يحقق الناتج المحلي الإجمالـي الحقيقي الـسعودي خلال العامين 2020 م و 2021 م على التوالي، نموًا بنسبة ( 4,9 %) و (4,7 %).
8. حماية القطاع الخاص والمستثمرين من الانهيار:
حرصت الدولة على ألا تؤدي جائحة كورونا إلى انهيار القطاع الخاص على أثر الخسائر الشديدة التي تعرضت لها المؤسسات الخاصة في العديد من المجالات، فبادرت إلى تقديم الدعم الرسمي للقطاع الخاص والمستثمرين في المملكة، عبر صور ومبادرات متعددة، وكانت البداية بـتخصيص (70) مليار ريال للقطاع الخاص من بين (120) مليارًا خصصتها الدولة لمواجهة الجائحة في أنحاء البلاد. وتم هذا الدعم من خلال ثماني مبادرات، كانت تعفي مؤسسات القطاع وشركاته من الرسوم الحكومية، وتوفر لها المزيد من الخدمات المجانية.
وأتبعت الدولة دعمها المشار إليه آنفًا بحزمة مبادرات إضافية للقطاع بقيمة (50) مليار ريال، تمثّلت في إعفاء القطاع الخاص من بعض الالتزامات الخاصة للدولة ــ ونذكر من ذلك صدور الموافقة الكريمة بإعفاء المستثمرين من سداد نسبة 25 % من القيمة الإيجارية لعقود إيجار العقارات البلدية لهذا العام، بما يعادل أجرة ثلاثة أشهر ــ كما تمثلت في تعجيل سداد مستحقات القطاع الخاص عن المشاريع التي تم تنفيذها لصالح الدولة. وتظهر ضخامة هذا الدعم في أعداد المنشآت المستفيدة منه، والذي يتجاوز (50) ألف منشأة، بقيمة إعفاءات تزيد على (570) مليون ريال.
9. تعزيز قطاع الصناعات المحلية:
تشجيع الدولة للصناعات المحلية هو أحد الركائز التي أرستها الدولة لتنويع مصادر الدخل، والقضاء على البطالة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي… وغيرها من الأهداف التي تضمنتها رؤية 2030 في جانبها الاقتصادي؛ وفي هذا السياق شهد هذا العام الإعلان عن مبادرات وإجراءات عدة تُعين قطاع الصناعة في المملكة على تجاوز تداعيات الجائحة وتأثيراتها السلبية، ولعل أبرز هذه المبادرات هو العمل على إيجاد الحلول المناسبة لحماية المنتج المحلي من المنافسة غير العادلة، عبر لجنة سداسية خاصة، تم تشكيلها من وزارة الصناعة، وكل من: هيئة المحتوى المحلي، وهيئة الجمارك، وهيئة المواصفات والمقاييس، وهيئة الغذاء والدواء، وهيئة التجارة الخارجية، لتتولى تلك المهمة. وبلغ دعم الدولة للمنتج المحلي ذروته، عندما أعلنت الوزارة عن رفع الرسوم الجمركية لـ(1300) منتج مستورد، مما يؤكد أن الدولة ماضية في تعزيز الصناعات المحلية.
10. اتخاذ خطوات عملية لتطوير قطاع التعدين:
تحقيقًا لتطلع الدولة بأن يصبح قطاع التعدين الركيزة الثالثة في الصناعة، لزيادة إسهاماته في الناتج الإجمالي المحلي، وتوليد الوظائف وتنمية القدرات البشرية، شهد القطاع هذا العام خطوات حثيثة لتنفيذ هذه الخطط الاستراتيجية الطموحة، وتحقيق ما تتطلع إليه من مستهدفات، حيث أصدر وزير الصناعة والثروة المعدنية ــ 30 شعبان 1441 هـ، الموافق 23 إبريل 2020 م ــ سبعة قرارات، وصفت بأنها الأكبر في عملية تخصيص مواقع الاحتياطي التعديني، وشملت (54) موقعًا بمساحة أربعة آلاف كيلو متر مربع، توزعت في مناطق عدة، شملت مناطق: الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة وعسير وحائل ونجران، كما شملت تنوعًا واسعًا في العناصر المعدنية، بأكثر من عشرة عناصر معدنية مهمة للغاية في الصناعات العالمية اليوم، وتشكل نسبة مهمة جدًا من الطلب العالمي، وهذه المعادن هي: الذهب، والنحاس، والعناصر الأرضية النادرة، والفضة، والزنك، والرصاص، والحديد، والكوارتز، والقصدير، والموليبيدنوم. وتأتي هذه القرارات متوازية مع جهود وزارة الاستثمار التي تعمل على جذب الاستثمارات العالمية، من خلال عرض الفرص الاستثمارية الواعدة، وبخاصة في مجالات التعدين.
وفي المقابل تعمل هيئة المساحة الجيولوجية السعودية على مبادرة الاستكشاف المسرع ودعم المستثمرين للبدء في أعمال الاستكشاف التفصيلي للمكامن التعدينية ورسم الخرائط الدقيقة، وإجراء المسوحات الجيوفيزيائية الأرضية والجيوكيميائية التفصيلية، وحفر خنادق الاستكشاف، والحفر تحت السطحي لاختبار امتدادات الأجسام المتمعدنة، ومن ثم عمل نمذجة لها وحساب المصادر المتمعدنة لكل مكمن وموقع، ليتم لاحقًا طرح هذه المواقع فرصًا للاستثمار.
11. تحقيق تقدم في مؤشرات التنافسية العالمية:
أعلن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية ــ في 24 شوال 1441 هـ، الموافق 16 يونيو 2020م ــ أن المملكة قد حققت هذا العام تقدما من المرتبة (26) إلى المرتبة الـ (24) من بين (63) دولة، وأنها تعد الدولة الوحيدة ــ إقليميًا ــ على مستوى الشرق الأوسط والخليج العربي في هذا التقدم، كما صنفت ــ بحسب مؤشرات التقرير ــ في المرتبة الثامنة من بين دول مجموعة العشرين، متفوقة بذلك على دول ذوات اقتصادات متقدمة ــ منها: روسيا، وفرنسا، واليابان، وإيطاليا، والهند، والأرجنتين، وإندونيسيا وغيرها ــ في محاور رئيسة، كالأداء الاقتصادي، وكفاءة الأعمال، والبنية التحتية.
و يأتي هذا الإنجاز كثمرة لما سبق طرحه من إنجازات، كما إنه يقف شاهدًا على نجاح المنظومة الاقتصادية للمملكة وتميزها، ويعتبر دليلًا على التكامل والتناغم في أداء الحكومة والقطاع الخاص، لتنفيذ السياسة الاقتصادية الرشيدة التي تستثمر مقدرات الوطن في تعظيم مكتسباته الحضارية واستحقاقات الحاضر والمستقبل، بإنجازات كبيرة وإصلاحات عميقة، مدعومة ببيئة تشريعية محفزة وشفافية عالية معززة للاستثمار، ونعمة الأمن الوارف والاستقرار، والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية التي يموج بها العالم.
12.تقدم شركة النفط السعودية (أرمكو) على الشركات العالمية:
تصدرت شركة النفط السعودية (أرمكو) نظيراتها على مستوى العالم بأرقام إيرادية كبيرة، مؤكدة قوة مركزها المالي بأرباح هي الأعلى عالميًا، تجاوزت 70 مليار ريال عن الربع الأول من العام الحالي، مجددة بذلك مكانتها في صدارة الشركات العالمية في هذا القطاع الاستراتيجي للطاقة الذي يقوم عليه الاقتصاد العالمي بكافة مفاصله. ويعكس هذا الإنجاز لعملاق النفط السعودي قوة اقتصاد المملكة والكفاءة العالية لسياستها الاقتصادية بعامة والنفطية بخاصة، رغم الظروف بالغة الدقة التي فرضتها جائحة كورونا على العالم بأسره، والتي لاتزال تقيد حركة اقتصادياته بشدة جراء الإغلاقات الاحترازية، وانعكاساتها على أسواق النفط بتراجعات غير مسبوقة في الطلب وانهيارات سعرية كبيرة.
ثالثًا: الإنجازات العسكرية:
لم تصرف جائحة كورورنا بما تسببت فيه من توقيف جل أنشطة الدول صناعيًا وتجاريًا، وبما استنزفته من ميزانيات الدول لمواجهة الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية للفيروس، فإن المملكة لم توقف أنشطتها في العديد من المجالات الحيوية، ومن أهمها المجال العسكري،الذي شهد إنجازات عدة، ومن أبرزها:
مواصلة التصنيع العسكري:
قبل سنوات معدودة انطلقت الشركة السعودية للصناعات العسكرية، لتكون ضمن أفضل 25 شركة متخصصة في الصناعات العسكرية في العالم، مستندة إلى أحدث التقنيات وأفضل الكفاءات الوطنية لتطوير منتجات وخدمات عسكرية بمواصفات عالمية، لتحقق الاكتفاء الذاتي للمملكة في مجال الصناعات العسكرية، وتتيح الفرص الواعدة للقطاع الخاص ليشارك في هذا المجال الهام من الصناعات الاستراتيجية، ويتمكن من استخدام أحدث التقنيات لتصنيع منتجات ذات مستوى عالمي وتقديم خدمات عالية الجودة للارتقاء بقطاع الصناعات العسكرية وتأمين الإمدادات اللازمة لعملائها.
وقد لقيت الشركة، ومازالت تلقى الدعم السخي من قبل القيادة الرشيدة، ما مكنها من تحقيق بعض الإنجازات البارزة في الصناعات العسكرية. وتجسد الإنجاز الأبرز هذا العام فيما أعلنته وزارة الدفاع والهيئة العامة للصناعات العسكرية ــ يوم 27 صفر 1442هـ، الموافق 14 أكتوبر 2020م ــ عن تدشين وتوطين أول زورق اعتراضي سريع من نوع (HSI32) مصنَّع محليًا، وأول حوض عائم، وذلك ضمن خطة توطين الصناعات العسكرية في المملكة، حيث سيتم تصنيع هذا النوع من الزوارق وتوطينها محليًا وفق أحدث المواصفات والمعايير العالمية بتعاون ثنائي بين شركة CMN) ) الفرنسية وشركة الزامل للخدمات البحرية.
وفي السياق نفسه أعلنت الهيئة العامة للصناعات العسكرية ــ يوم 10/ 11/ 1441هـ، الموافق 1/7/2020م، عن توقيع عقد تصنيع وتوطين عربات عسكرية مدرعة جديدة، تحت اسم (الدهناء)، وفق أحدث المواصفات والمعايير العالمية.
ويأتي الإنجازان ــ المشار إليهما آنفًا ــ كثمرة للتوجّه الاستراتيجي للوزارة والهيئة إلى تحقيق الأولويات الوطنية، ووضع التشريعات الخاصة بإرساء عقود التصنيع العسكري، ودعم وتمكين المصنّعين المحليين، وتطوير الشركات المحلية الواعدة لتكون رائدة، ودعم الشركات الوطنية الكبرى لتعزيز موقعها عالمياً، وتوسيع الفرص أمام الكوادر الوطنية المؤهلة، وصولاً إلى نسبة توطين تزيد على (50%) من إنفاق المملكة على المعدات والخدمات العسكرية.
التصدي للعدوان العسكري الحوثي:
تمكنت القوات السعودية وقوات تحالف دعم الشرعية في اليمن خلال هذا العام من إسقاط المزيد الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي تطلقها الميليشيات الحوثية الإرهابية بين الحين والآخر على المدن والتجمعات السكانية مهددة حياة المئات من المدنيين بالموت، منتهكة بذلك القانون الدولي الإنساني. فقد نجحت القوات السعودية في تدمير عشرات الطائرات المسيرة ــ الاستطلاعية والمفخخة ــ قبل الوصول لأهدافها؛ كما نجحت في تدمير العديد من الورش والمصانع التي تعمل في تجميع الطائرات المسيرة، التي ترد أجزاؤها مفككة من إيران.
ففي 27 مارس 2020م، اسقطت القوات السعودية طائرة حوثية مفخخة كانت تستهدف مدينة أبها، وفي 15 يونية 2020 م، اسقطت قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، طائرة مفخخة (مسيرة) أطلقتها ميليشيات الحوثي باتجاه الأعيان المدنية بمدينة خميس مشيط السعودية. وخلال شهر أغسطس تمكنت قوات التحالف العربي من اعتراض واسقاط العديد من الطائرات المسيرة التي أطلقتها المليشيات باتجاه الأراضي السعودية، ففي 23 ذي الحجة 1441هـ، الموافق 13 أغسطس 2020م، نجحت القوات السعودية في إسقاط طائرة مسيرة مفخخة، كانت موجهة إلى الأعيان المدنية في مدينة خميس مشيط بالمملكة، كما أسقطت مساء اليوم نفسه صاروخين بالستيين أطلقتها المليشيا الحوثية الإرهابية باتجاه المملكة. وفي 26 ربيع الأول 1442هـ، الموافق 15 نوفمبر 2020م، أسقطت طائرة مفخخة.
رابعًا: الإنجازات الأمنية:
حفل الملف الأمني بالعديد من الإنجازات هذا العام، حيث كان له الفضل ــ بعد الله تعالى ــ في ترسيخ الشعور بالطمأنينة والاستقرار لدى المواطنين والمقيمين طيلة الشهور المتعاقبة لأزمة كورونا، فقد تولى مهام تنفيذ الحظر ــ الجزئي والكلي ــ والتأكد من الالتزام به من الكافة في مناطق ومدن وقرى المملكة، كما تولى مهام تأمين المؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة … وغيرها من المهام التقليدية. كما حققت الأجهزة الأمنية المختصة عدة إنجازات نوعية، منها:
1. تعقب العناصر والخلايا الإرهابية والقبض عليها:
واصلت القوات الأمنية بالمملكة جهودها في ترسيخ الأمن الداخلي عبر تعقب العناصر والخلايا الإرهابية ورصد تحركاتها داخل المملكة، تمهيدًا لمحاصرتها والقبض عليها، وقد شهد هذا العام عملية أمنية نوعية، تمت في 5 صفر 1442هـ، الموافق 5 أكتوبر 2019م، وتمثَّلت في تمكُّن الجهات المختصة برئاسة أمن الدولة من الإطاحة بخلية إرهابية تلقت عناصرها تدريبات عسكرية وميدانية ـــ خلال الفترة ما بين 9 / 2 إلى 20 / 3 من عام 1439هـ، 30/ 10 ــ 9/12 من عام 2017م ـــ داخل مواقع للحرس الثوري في إيران، من ضمنها طرق وأساليب صناعة المتفجرات.
فقد نجحت التحريات الأمنية في تحديد هويات تلك العناصر، وتحديد موقعين لهم اتخذوا منهما وكرًا لتخزين كميات من الأسلحة والمتفجرات، وأسفرت العملية الأمنية عن القبض على عناصر هذه الخلية، وعددهم عشرة متهمين، ثلاثة منهم تلقوا التدريبات في إيران، أما البقية فقد ارتبطوا مع الخلية بأدوار مختلفة، وضبط ما كان بحوزتهم من الأسلحة والمتفجرات المخبأة في موقعين: أحدهما منزل والآخر عبارة عن مزرعة.
وقد باشرت الجهات المختصة تحقيقاتها مع جميع المقبوض عليهم للوقوف على مزيد من المعلومات عن أنشطتهم والأشخاص المرتبطين بهم داخلياً وخارجياً، وإحالتهم بعد استكمال التحقيقات إجراءاتها للقضاء. وأكدت رئاسة أمن الدولة مواصلتها بعزيمة وإصرار وحزم التصدي لهذه المخططات الإجرامية، ولكل من تسوّل له نفسه المساس بأمن هذه البلاد واستقرارها وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها.
2. ضبط العديد من عصابات تهريب الأموال:
تمكنت القوات الأمنية خلال هذا العام من إحباط العديد من محاولات تهريب الأموال خارج المملكة بطرق غير مشروعة، ففي 28 شوال 1441هـ، الموافق 20 يونية 2020م، أصدرت النيابة العامة بيانًا أوضحت فيه أنها قد تمكنت من القبض على تشكيل عصابي مكون من أحد عشر متهمًا ــ أحدهم مواطن مكَّن المتهمين الآخرين ــ من جنسية دولة عربية ـــ من استغلال حساباته البنكية ومنشآته التجارية ــ لتهريب كميات كبيرة من الأموال خارج المملكة. وتم القبض عليهم جميعاً، واتخذت بحقهم الإجراءات النظامية وفق نظام الإجراءات الجزائية.
وفي 16 محرم 1442هـ، الموافق 4 سبتمبر 2020م، أعلنت شرطة الرياض، تمكنها من القبض على تنظيم عصابي متخصص في سرقة الأموال وتحويلها إلى خارج المملكة بطرق غير نظامية، عبر حسابات بنكية لكياناتٍ تجارية فردية مسجلة بأسماء مواطنين، مقابل عمولات مالية، وقد عثر بحوزة التنظيم على أكثر من مليون ريال.
ويتكون التنظيم من (9) مقيمين، وهم (3) من الجنسية السورية و(3) من الجنسية المصرية، وشخص من الجنسية اليمنية، وشخص من الجنسية الباكستانية، وشخص من الجنسية التركية، أعمارهم في العقدين الثالث والخامس. وبمباشرة إجراءات الاستدلال الأولية بحقهم أقروا بما نسب إليهم، وجرى إيقافهم واتخاذ كافة الإجراءات النظامية لإحالتهم إلى النيابة العامة.
وفي 17 ربيع الأول 1442هـ، الموافق 3 نوفمبر 2020م، أعلنت شرطة منطقة الرياض عن إحباط عملية تهريب مبلغ مليون و(650) ألف ريال سعودي إلى خارج المملكة، عبر مطار الملك خالد الدولي، وعند مباشرة الجهات الأمنية إجراءات الاستدلال في المحاولة التي قام بها مقيم من الجنسية المصرية، اتضح للجهات المختصة ارتباطه بمجموعة من (4) مقيمين من الجنسية المصرية، تتراوح أعمارهم بين العقدين الثالث والخامس، امتهنوا جمع أموال مجهولة المصدر، ومحاولة تهريبها إلى خارج المملكة بإخفائها داخل حقائب السفر بطرق متعددة، و إنهم يتخذون من سكنهم في حيي (منفوخة، والشفاء) مقرين لجمع الأموال، وقد أفضى تفتيش المنزلين إلى العثور على «مبالغ مجهولة المصدر» بلغت (42) ألفا و(150) ريالا. وأقر المتهمون بتحويل وتهريب مبالغ بذات النمط والسلوك الإجرامي، فتم القبض عليهم جميعاً، واتخذت بحقهم الإجراءات النظامية وفق نظام الإجراءات الجزائية.
خامسًا: الإنجازات الاجتماعية:
ألقت جائحة كرونا بتبعاتها الثقيلة على قادة الدول وأنظمتها الحاكمة، التي تعيَّن عليها أن تقدِّم لمواطنيها متطلباتهم الرئيسة من رعاية طبية وخدمات أساسية، في وقت تعطلت فيه الحياة وتراجعت عائدات الدول ودخلها الوطني بصورة كبيرة؛ وقد أدى هذا الواقع إلى الأزمات الاجتماعية في العديد من الدول، بما فيها الدول الكبرى؛ فيما استطاعت بعض الدول ــ وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ــ أن تحافظ على استقرار المجتمع عبر تلبية جميع متطلبات المواطنين والمقيمين طيلة شهور الأزمة، وهو ما يسجل بمداد الفخر لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين (يحفظهما الله) اللذين أوليا المواطن السعودي ما يستحق من رعاية واهتمام، ووضعاه في رأس أولويات الدولة وخططها واستراتيجياتها الحالية والمستقبلية، ولم يكتفيا بتأمين رغد عيشه ورفاهه واستقراره، بل جعلا من الحفاظ عليه وصون كرامته وصحته في قلب تلك الاهتمامات. ويتأكد ذلك للمتابع في الكثير مما قدمته له الدولة خلال هذا العام، ومنها:
1. تو فير متطلبات الحياة الكريمة لجميع المواطنين:
عندما حلت كارثة كورونا وانتشرت في جل مناطق المملكة، قررت الدولة أن تتحمل وحدها تبعات الجائحة وتداعياتها وألا يتحملها المواطن أو القطاع الاقتصادي الخاص ــ على الرغم من توقف عجلة الاقتصاد في المملكة، وتراجع عائدات النفط إلى الثلث ـــ حيث خصصت الدولة ما نسبته (18 %) من ميزانيتها العامة (177 مليار ريال) لدعم القطاع الصحي والقطاع الخاص والأفراد؛ وأكدت أنها ستواصل نهجها في مواجهة الجائحة حتى يتم القضاء عليها.
2. تقديم الرعاية الصحية المجانية لجميع المواطنين:
ما أن بدأت حالات الإصابة بالفيروس تظهر على بعض المواطنين حتى بادرت الدولة إلى تقديم الرعاية الصحية للمصابين في المراكز والمستشفيات والمدن الطبية المنتشرة في مناطق المملكة، ووفرت لهم العلاج اللازم، الذي تم الاتفاق على تقديمه للمصابين إلى حين يتم الإعلان عن التوصل إلى لقاح، كما وفرت الدولة المعازل المناسبة لمن يحتاج منهم إلى العزل، وقامت بمتابعته صحيًا إلى تم شفاؤه. ولم تكترث الدولة إلى التكلفة المادية العالية التي تطلبها علاج المصابين، الذين كانت أعدادهم تتضاعف يومًا تلو الآخر، عندما بلغت الأزمة ذروتها في بعض الشهور، فقد كان حياة المواطن وشفاؤه هي الأولوية الأولى للقيادة الرشيدة.
وعلى الرغم من حرص الدولة على أن توفر آلاف الأَسِرة للعناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي لمرضى فيروس كورونا، حتى يجد كل مصاب ما يحتاج إليه في علاجه، ليزداد الأمل في شفائه؛ إلا أن الشاغر من هذه الأعداد الكثيرة من الأَسِرة، كان يزيد على ستة وتسعين بالمائة؛ حيث كانت حالات التعافي بين المصابين بعد علاجهم في ازدياد مطرد، وفقًا لما كان يُعلَن يوميا من قبل وزارة الصحة.
ومثلما كان لتلك الرعاية السريعة والمتميزة دورها في ارتفاع أعداد المتعافين من الفيروس، كان لها دورها أيضًا في الحد من معدل الوفيات ممن أصيبوا بالفيروس، حيث إنه كان منخفضًا جدًا، بالمقارنة بمعدل الوفيات العالمي الذي قدر ــ وفقًا لما أكده معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة في أكثر من مناسبة ــ بكونه أكثر من عشرة أضعاف المعدل في المملكة.
3. استيراد الأجهزة والمستلزمات لمكافحة الفيروس:
ولم تقتصر جهود المملكة في علاج المصابين بالفيروس على ما كان موجودًا داخل المملكة من أدوية ومستلزمات طبية، بل قامت الجهات المسؤولة بتوقيع عقد ــ بلغت قيمته (995) مليون ريال سعودي ـــ بين حكومة المملكة وحكومة جمهورية الـصين الشعبية إنفاذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين (يحفظهما الله) بسرعة، لتوفير الـفحوصات والـكواشف والأجهزة والمستلزمات والأدوية الـلازمة للتصدي للفيروس؛ وبموجب هذا العقد تم توفير (9) ملايين فحص لـتشخيص فيروس كورونا المستجد لـتسعة ملايين شخص في المملكة، شاملة جميع الأجهزة والمستلزمات، وعدد (500) من الأخصائيين والـفنيين الـصينيين المتخصصين في الـفحوصات، وإنشاء ستة مختبرات إقليمية كبيرة موزعة على مناطق المملكة منها مختبر متنقل بقدرة (10.000) فحص يوميًا.
كما اشتمل العقد على تدريب الـكوادر الـسعودية، وإجراء الفحوصات اليومية والفحوصات الميدانية الشاملة وتدقيقها وضمان جودتها لمدة ثمانية أشهر، بالإضافة إلـى تحليل الخريطة الجينية لعدد من الـعينات داخل المملـكة، وتحلـيل خريطة المناعة في المجتمع لعدد مليون عينة والـتي سيكون لها الأثر البالغ في دعم خطط الـدولـة في إدارة خطط مكافحة الجائحة.
وفي سياق توفير المستلزمات والأدوات المطلوبة لمكافحة كورونا، تم توجيه (71) مصنعًا محليًا متخصصًا، لإنتاج كل ما يحتاجه أبناء الوطن من خدمات ومستلزمات طبية، تقيهم شر الفيروس الذي أصاب الملايين، وأدى إلى وفاة مئات الآلاف على مستوى العالم.
4.تكريم العاملين في القطاع الصحي ــ أدبيًا وماديًا ــ :
حرصت الدولة على إشعار العاملين في القاع الصحي من أطباء وممرضين ومسعفين… وغيرهم، بعظم الدور الذي يقومون به في مكافحة الوباء، وأنهم خط الدفاع الأول عن صحة المواطنين والمقيمين، فعمدت إلى تكريمهم ــ أدبيًا وماديًا ــ وقد تجسد التكريم الأدبي في ثناء خادم الحرمين (يحفظه الله) على العاملين في هذا القطاع الهام، وشكره لهم ولنظرائهم من أجهزة الدولة ــ في أكثر من مناسبة ــ على ما بذلوه من جهود في مكافحة الوباء، ففي كلمته التي هنأ فيها المواطنين والمقيمين بمناسبة عيد الفطر المبارك، قال (أيده الله): « إن بلادكم لتفخر أشد الفخر، بكوادرها الصحية والميدانية في كل القطاعات التي تصدت لهذه الجائحة بقوة وثبات وإخلاص، يساندهم في ذلك إخوانهم في القطاعات الأمنية والقطاعات كافة، فلهم منا جميعاً كل الشكر والتقدير. لقد أسهمت هذه الجهود بفضل الله تعالى في الوصول إلى نتائج تزرع الأمل وتبث التفاؤل بما تحقق في مواجهة انتشار الجائحة، فعالجت المصابين من المواطنين والمقيمين ووفرت المحاجر، واتخذت كل الإجراءات الاحترازية التي قد يكون بعضها مؤلماً لكنها الضرورة، ومن أجل الإنسان يهون كل ما دونه».
أما التكريم المادي فتجسد في قرار مجلس الوزراء ـــ الصادر في 10/ 3/ 1442هـ، الموافق 27/10/2020م ــ بصرف مبلغ مقداره (000ر500) خمسمائة ألف ريال لذوي المتوفى بسبب جائحة (فيروس كورونا الجديد)، العامل في القطاع الصحي الحكومي أو الخاص، مدنيًا كان أم عسكريًا، وسعوديًا كان أم غير سعودي، على أن يسري ذلك اعتبارًا من تاريخ تسجيل أول إصابة بـ (الفيروس) في 7 / 7 / 1441هـ، الموافق 2/3/ 2020م.
5. رعاية المقيمين في الخارج أثناء الأزمة:
لم يقتصر اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين على رعاية المواطنين السعوديين أثناء الأزمة على داخل المملكة، بل امتد الاهتمام والرعاية إلى السعوديين المقيمين في الخارج للدراسة، أو العلاج، أو غير ذلك من الأسباب، وقد تجسدت تلك الرعاية في المظاهر التالية:
تسهيل السبل والإجراءات للراغبين منهم في العودة إلى المملكة: وتجسد ذلك في إعلان وزارة الخارجية لعموم المواطنين والمواطنات الموجودين في الخارج عن إطلاق الخدمة الالكترونية لعودة المواطنين الراغبين في العودة، حرصاً من القيادة على سلامتهم وصحتهم، والرعاية التامة لشؤونهم وشؤون عائلاتهم ومرافقيهم. وقد أوضح الإعلان أن التعامل مع الطلبات المسجلة سيتم إلكترونيًًا، دون الحاجة إلى مراجعة الملحقيات التعليمية، وأن مواعيد السفر سوف تحدد بحسب الخطة المعتمدة، وأن الأولوية ستكون للمواطنين الموجودين في البلدان الأكثر تأثرًا من انتشار فيروس كورونا، وفئات كبار السن والأطفال والمرضى والحوامل.
التوجيه بصرف المخصصات المالية للمبتعثين وعدم إيقافها لأي سبب:
لم تكن عودة السعوديين المقيمين خارج المملكة ميسرة للجميع، إذ اضطر البعض منهم للبقاء في مكان إقامته لدواعٍ صحية او دراسية أو شخصية، فصدر توجيه كريم بأن يحظى من اضطر منهم للبقاء في مكان وجوده بالرعاية الشاملة، وخصوصًا ما يتعلق منها بالمخصصات المالية التي تصرف للمبتعثين ومرافقيهم، وعدم وقفها أو تأخير وصولها لمستحقيها أيًا ما كان السبب، فضلًا عن توفير التأمين الطبي، وكافة أوجه الرعاية، وكل ما يضمن سلامتهم وأمنهم، طوال فترة تواجدهم بالخارج، حتى تتهيأ ظروف العودة الآمنة إلى الوطن.
وتؤكد هذه المبادرات والقرارات أن المملكة قررت التضحية وتحمل تبعات الأزمة وحدها على أن يتحملها المواطن أو المؤسسات الأهلية، ومثل هذا التعامل كان محل تقييم ومراقبة، وربما غيرة، من قبل العديد من مواطني الدول الأخرى، الذين تمنوا أن يكون تعامل حكوماتهم معهم بمثل تعامل حكومة المملكة مع مواطنيها ومؤسساتها.
6.تخفيف الأعباء عن ذوي الحاجة من المواطنين:
يحظى المواطن السعودي من ذوي الحاجة بتلمس الدولة لحاجته، وقيامها ــ بعد دراسة حالته ــ على تلبية حاجته وتوفيرها عبر العديد من القنوات الحكومية المخصصة لذلك، وذلك في في صورة قروض ميسرة، أو ضمان اجتماعي يقدم للفئات الاجتماعية الأشد حاجة، كذوي الإعاقة وكبار السن ومن في حكمهم؛ ودائمًا ما يوصي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين (يحفظهما الله) أمراء المناطق والمسؤولين بالدولة على تفقد هذه الفئات، والعمل على تسهيل أمورها وتيسير أحوالها وفقًا للوائح والتوجهات التي توصي بذلك وتحس عليه.
وقد تزايد اهتمام القيادة الرشيدة بهذه الفئة من المجتمع مع بدء أزمة كرونا، بما ترتب عليها من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، حيث أعلن رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الاجتماعية المندس أحمد بن سليمان الراجحي، ــ في 10 أبريل 2020م ــ عن صدور الموافقة الملكية الكريمة بإعفاء عدد من المواطنين المقترضين من بنك التنمية الاجتماعية، تفريجًا لكربهم، ومساعدة لهم على تحسين وضعهم المعيشي في زمن الجائحة، وهي لفتة إنسانية كريمة، تضاف إلى سابقاتها من اللفتات التي قدمتها الدولة لتلك الفئات، مثل تيسير أمور الزواج عليهم ، والقيام بترميم منازلهم، وتشجيع بعض المشاريع المنتجة للأسر… ونحوها من الأمور التي تعكس مدى اهتمام الدولة بالمواطن، وعملها على تحسين وضعه المعيشي مهما كانت التحديات.
7. تعليق تنفيذ بعض الأحكام والأوامر القضائية والإفراج عن بعض المحبوسين:
في الرابع عشر من شهر شعبان 1441 هـ، الموافق للسابع من إبريل 2020 م، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (حفظه الله) بتعليق تنفيذ الأحكام والأوامر القضائية النهائية المتصلة بحبس المدين في قضايا الحق الخاص، مع الإفراج المؤقت ــ بشكل فوري ــ عمن حُبس تنفيذًا لتلك الأحكام والأوامر، وكذلك تعليق تنفيذ الأحكام والأوامر القضائية النهائية المتصلة بتمكين الأولاد من زيارة أحد الوالدين المنفصلين، وذلك حتى تاريخ إعلان اللجنة المعنية باتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع تفشي فيروس كورونا وزوال الظروف الاستثنائية لجائحة الفيروس.
ويعكس هذا الأمر عمقًا في الرؤية، ودقة في تحديد الأولويات، حيث ينطوي على إجراءات استباقية صارمة، تهدف إلى تقليل المخالطة وعدم تكدس أماكن الحبس والتوقيف من سجون ومراكز شرطة لأعداد كبيرة من الموقوفين بما يسمح بانتشار الوباء بينهم؛ والحفاظ على أبناء الزوجين المنفصلين من انتقال العدوى إليهم عبر أحد الوالدين أو الأقارب المصابين أثناء زيارة الأبناء لأحد والديهم؛ كما يعكس بعدًا إنسانيًا واجتماعيًا هامًا وهو الحفاظ على صحة الإنسان وإن كان مدانًا أو متهمًا أو يعيش ظروفًا غير طبيعية؛ فضلًا عن كونه يجسد حرص الدولة وتعاملها مع الأزمة بكل شفافية ووضوح، والعمل بكل عزم وإصرار على مواجهتها وإيقاف الآثار المترتبة عليها.
8.تفعيل وتطوير تقانة التعليم عن بعد:
أشرنا في معرض حديثنا عن إدارة الدولة لأزمة كورونا، أنها قد أوقفت الدراسة في المدارس والمعاهد والجامعات كإجراء احترازي يحد من انتشار الفيروس، وقد أدى هذا القرار إلى التحول الفوري لطرق تعليم أخرى من شأنها إحلال مفهوم (التباعد الاجتماعي) للحفاظ على صحة الفرد والمجتمع، وكانت تقنيات التعليم بأشكالها وأنماطها هي الخيار الأمثل لتحقيق هدف الحفاظ على صحة المجتمع.
ولم يكن انتقال منظومة التعليم من صورتها التقليدية المباشرة إلى تقانة التعليم عن بعد يمثل عقبة أو صعوبة للدولة، وذلك لاعتبارات عديدة ، منها: كفاءة البنية التقانية للمملكة في مجال الاتصالات، حيث تنعم أغلب مناطق المملكة بشبكات الألياف البصرية التي تمكن مستخدمها من التواصل عبر الشبكة العنكبوتية في سهولة ويسر؛ فضلًا عن استخدام جل جامعات المملكة والعديد من المدارس الأهلية والحكومية لتلك التقانة في تواصلها مع الطلاب أو أولياء الأمور. يضاف إلى ما سبق أن المملكة لديها تجربة سابقة في استخدام التقنية في التعليم، حيث تم اعتمادها في المدارس التي في المنطقة الجنوبية (الحد الجنوبي) بهدف المحافظة على سلامة المواطنين وضمان استمرار التعليم لطلاب وطالبات المراحل التعليمية المختلفة، وكانت التجربة ناجحة بحسب ما تم رصده لآثارها الإيجابية في خدمة المرحلة وتحقيق أهدافها.
وعلى الرغم من أن التحول الرقمي في قطاعات التعليم بالمملكة قد تم بصورة اضطرارية أو قسرية، فرضتها جائحة كورونا للمحافظة على سلامة الطلاب، وضمان استمرارية التعليم، وتحقيق أهداف التنمية، إلا أن سرعة تفاعل الطلاب وأولياء الأمور مع هذا النمط من التعليم، وما تلقاه برامج التحول الرقمي في التعليم من دعم سخي ومباشر وسريع من الدولة لرفع مستوى الجاهزية في مجال التطبيقات والبرمجيات التعليمية المناسبة، قد أسهما في نجاح التجربة، وهيئا المملكة للانضمام إلى (مجتمع المعرفة)، الذي يرقى بمستوى التعليم ويعممه، حيث إنه يجعل الفرد قادرًا على التعلم والتعليم والعمل بشكل إيجابي باستخدام أشكال وأنماط التقنية المتعددة.
9.مواصلة تنفيذ برامج تمكين المرأة:
حققت برامج تمكين المرأة أكثر مما كان متوقعًا، فبينما كان المستهدف ــ على سبيل المثال ــ زيادة حصة المرأة في سوق العمل إلى (24%) خلال الربع الأول من العام الحالي (2020م)، بلغت حصتها فعليًا (27,5%) ، وهو ما يعكس مدى نجاح خطط التوطين والتمكين، وارتفاع نسبة الوعي بأهمية مشاركة المرأة في كل برامج التنمية. وهو ما تطمح إليه قيادة المملكة، إيمانًا منها بأن تمكين المرأة ليس ترفًا أو مظهرًا جماليًا لتزيين الشكل الخارجي للمجتمع، وإنما هو ضرورة مجتمعية واقتصادية وثقافية ملحة، تحتاج إليها المملكة في المرحلة المقبلة، ليكتمل مشهد التطوير بسواعد عنصري المجتمع؛ الرجل والمرأة.
ولاشك أن تعيين المرأة في مناصب قيادية مرموقة بمؤسسات الدولة المعنية بالنظر في الشأن العام، وإبداء الرأي فيه، تمهيدًا لاتخاذ قرارات القيادة العليا للبلاد بشأنه ــ كمجلس الشورى ــ وتمثيلها للمملكة في الخارج عبر السفارات والمحافل الدولية، يعكس نظرة الاعتزاز والثقة التي توليها الدولة للمرأة السعودية باعتبارها قائدة وملهمة، يُنتظر منها الكثير والكثير لإعادة بناء البلاد، وهذا ما عكسته كلمة خادم الحرمين أمام (مجموعة تواصل المرأة 20)، التي تركزت على إظهار ملامح المنهج الذي تسير فيه المملكة نحو الأفضل، منذ انطلاق رؤيتها 2030، ودور المرأة الجوهري في ترجمة تطلعات الرؤية إلى واقع عملي مشاهد.
10. دعم قطاع الإسكان:
تحرص الدولة على الدعم السخي لقطاع الإسكان ليتمكن المواطن من امتلاك البيت المناسب لاحتياجاته الأسرية وإمكاناته المادية، فما من عام يمر من حكم خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) إلا ويلقى هذا القطاع دعمًا جديدًا، وقد تمثل الدعم هذا العام في مشهدين:
الأول: إعفاء التوريدات العقارية من ضريبة القيمة المضافة (15 %)
حيث أمر خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) بهذا الإعفاء عن المسكن الأول للمواطن حتى مليون ريال، وذلك اعتبارًا من17/2/ 1442هـ، الموافق 4/10/ 2020م. وعلى الرغم من أن هذا الأمر الكريم يعد دعمًا للمواطن إلى امتلاك عقار في في المقام الأول، إلا أنه يستهدف في الوقت نفسه دعم المطورين العقاريين وتحفيزهم على العطاء وزيادة الإنتاجية من أجل استكمال مشروعات الإسكان المستهدفة من رؤية المملكة للوصول بنسبة تمليك المساكن إلى (70 ٪) بحلول عام 2030م.
الثاني: التوسع في مشاريع الإسكان :
تلـقى المشاريع الـسكنية التي تنفذ بالـصورة الـتي تتأقلـم مع احتياجات مختلف شرائح ومؤسسات المجتمع، بما في ذلـك التفاصيل المتعلقة بجودتها ومواصفاتها وتوافرها وسهولـة إجراءاتها، الـدعم والـرعاية من حكومة وكذلـك الـرعاية في الخطط والإستراتيجيات التي تضمنتها الرؤية. وتأكيدًا على ذلك الأمر، ذكر وزير الإسكان وزير الـشؤون الـبلـدية والـقروية المكلف ماجد بن عبدالله الحقيل ــ خلال لـقاء افتراضي مع غرفة الشرقية ــ بأن أي مشروع سكني يقدم فكرة جيدة تلـيق بالمواطن سيجد الدعم، فالوزارة تحرص على حرية السوق، ويهمنا في المشروعات الـسكنية أن تحقق جودة أفضل للحياة.
وقد أعلنت وزارة الإسكان أنها أطلقت خلال النصف الأول من هذا العام 2020م (34) مخططًا، توفر أكثر من (28) ألـف قطعة، مع استمرار الـبرنامج في طرح عدد من المخططات شهريًا ضمن خيارات وحلول سكنية متنوعة مُتاح حجزها بسهولـة إلـكترونيا، في إطار الاستدامة في استحداث حلـول إلـكترونية تساعد في تسهيل الإجراءات علـى المواطنين الـراغبين في تملـك الأراضي والاستفادة من خيار (البناء الـذاتي) عبر تطبيق الأجهزة الذكية لتوقيع العقد إلكترونيًا دون الحاجة لمراجعة الفروع.
ويستهدف البرنامج هـذا الـعام 2020م تطوير (72) مخططًا جديدًا توفر أكثر من (90) ألـف قطعة أرض بقيمة تتجاوز (5,2) مليار ريال، في إطار توفير خيارات أكثر للمواطنين تمكّنهم من الحصول على المسكن الملائم الـذي يلبي رغباتهم، مما يرفع من نسبة التملّك السكني إلى (70 %) بحلول عام 2030م، بما يؤكد المضي قدمًا في الخطط الـتي تحقق مستهدفات برامج رؤية المملكة.
11. الاستمرار في مكافحة الفساد:
لا يمر عام ــ منذ عزم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين (يحفظهما الله) على مواجهة الفساد بكل أنواعه وأشكاله، باعتباره « آفة خطيرة تقوض المجتمعات وتحول دون نهضتها وتنميتها» ــ كما قال خادم الحرمين (يحفظه الله) ــ مشددًا على مواجهته بعدل وحزم، لتنعم المملكة بالنهضة والتنمية التي يرجوها كل مواطن، ولتصبح في مقدمة الدول في مكافحة الفساد، إلا وتحرز هيئة الرقابة ومكافحة الفساد تقدمًا ملموسًا في مباشرة العديد من قضايا الفساد المالي والإداري.
وقد شهد هذا العام عددًا من القضايا، التي اتهم فيها قضاة وقياديون أخلُّوا بواجباتهم الوظيفية، وعملوا مع آخرين لاستغلال دعم الدولة السخي لدرء تداعيات فيروس كورونا الجديد، بالإضافة إلى قضية تزوير تصريح التنقل خلال مدة حظر التجول والشروع في بيعها.
وفي 14/1/1442هـ، الموافق 2/9/ 2020م صدر أمر ملكي بإنهاء خدمة وإعفاء مسؤولين كبار، وفتح تحقيق معهم بسبب شبهات فساد، وإصدار أحكام رادعة لمن تثبت إدانتهم دون الالتفات لمسمياتهم أو صفاتهم الاجتماعية(13)، ليرسخ مبدأ القيادة الحكيمة، في مواجهتها الحازمة مع الفساد، بأنه لا حصانة لأحد قاضيًا كان أو عضوًا بمجلس الشورى أو محافظًا أو ضابطًا، أو حتى رجل الأعمال، فالجميع متساوون أمام القانون و«لا استثناء لفاسد».
وحسبا أن نختتم ملف الإنجازات الاجتماعية بما صرح به خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) عند إعلان ميزانية الدولة خلال العام الماضي، حيث قال: « وتعد هذه الميزانية استمراراً لسياسة الحكومة في تطوير المرافق والخدمات الأساسية للمواطنين، وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية، والارتقاء بالخدمات الحكومية، ورفع مستوى جودة الحياة، ودعم خطط الإسكان. وقد وجهنا الجهات المختصة بتمديد صرف بدل غلاء المعيشة سنة إضافية حتى نهاية عام 2020م. كما وجهنا الوزراء والمسؤولين كلًا فيما يخصه بالالتزام الفاعل في تنفيذ ما تضمنته الميزانية من برامج ومشاريع تنموية واجتماعية».
الإنجازات الإنسانية:
كشفت جائحة كرونا عن القيم السامية والمبادئ الراقية التي تتحلى بها القيادة السعودية، والتي انطلقت منها لتحمل المسؤولية الأخلاقية منذ بدأت جائحة كورونا في تهديد صحة البشر وتقويض أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، تلك المسؤولية التي لم تقتصر على الشعب السعودي فحسب، بل امتدت لتشمل شعوب العالم؛ وقد أدت المملكة هذه المسؤولية عبر مسارين:
الأول: الأوامر الملكية المباشرة الصادرة عن خادم الحرمين إلي الجهات المختصة بالدولة لتباشر تنفيذها، وأكثرها يتعلق بالشأن الداخلي؛ والثاني: ما صدر عن مجموعة العشرين برئاسة المملكة من قرارات إنسانية، للحد من آثار الأزمة على الدول والشعوب الفقيرة. وسوف نذكر فيما يلي نماذج لكلا المسارين، لتتبين لنا منظومة القيم التي انطلقت منها المملكة سواء في إدارة أزمة كورونا داخليًا وإقليميًا من خلال الأوامر الملكة، أو دوليًا من خلال قرارات مجموعة العشرين برئاسة المملكة.
القرارات الإنسانية الداخلية:
شهد العام المضي من حكم خادم الحرمين الشريفين عددًا من الأوامر والتوجيهات الملكية والقرارات الوزارية والإدارية التي تنطوي على قدر من القيم الإنسانية الراقية والمبادئ الأخلاقية الرفيعة، ومنها:
الأمر بعلاج المصابين من غير السعوديين:
أبهرت المملكة العالم، في تعاملها مع هذه الأزمة بقيم سامية لم يعرفها العالم من قبل، تمثلت بوضوح، في أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله) بمعالجة كل إنسان يقيم على أرض المملكة مجانًا، حتى ولو كانت إقامته غير نظامية ومخالفة لقوانين الدولة، دون أي عواقب أمنية مترتبة على ذلك، انطلاقًا من مبدأ المساواة بين البشر في أحقية العلاج والإنقاذ من الموت.
وقد جعل هذ الإجراء مدير منظمة الصحة العالمية يطلب من العالم تطبيق الإجراءات السعودية، واتباع القيم الإنسانية التي تقدمها؛ مؤكدًا أن هذه القيم الإنسانية العالية لا تليق إلا بدولة مكانها قمة العالم لتقوده. كما كان لهذا الموقف أثره الإيجابي على المقيمين في المملكة، ما جعلهم يعبرورن عن امتنانهم لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين (يحفظهما الله)، ويفضلون البقاء في المملكة على العودة إلى بلادهم، رغم أن الحكومة السعودية وفرت وسهلت الإجراءات لمن يرغب منهم في العودة، لشعورهم بالأمان الصحي والمعيشي والاجتماعي والنفسي.
تجديد هوية الإقامة مجانًا:
في سبل التخفيف عن كاهل المقيمين، الذين انقطع كثير من هم عن العمل بسبب توقف جل الأعمال في القطاع الخاص، وضاقت بهم ذات اليد، صدرت التوجيهات الـكريمة بتمديد (هـوية مقيم) آلـيا للوافدين الموجودين داخل أو خارج المملكة العاملين في الـقطاع الخاص لـلـمهن الـتجارية والـصناعية المنتهية إقاماتهم لمدة ثلاثة أشهر إضافية ــ من تاريخ 23 / 7 / 1441 هـ، الموافق 18/3/ 2020م، وحتى 23/10/1441هـ، الموافق 18/ 6/2020م ــ دون مقابل مالي، لتتطابق مع ما نفذ مسبقًا من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
وكان التمديد يتم آليا دون مراجعة مقرات الجوازات، وبلا رسوم حيث ترسل رسائل نصية عبر الجوال لـكافة المستفيدين، بالـتعاون مع مركز المعلـومات الـوطني ووزارة المالـية.كما تم تمديد فترة صلاحية استخدام تأشيرات الخروج والـعودة التي تنتهي فترة صلاحيتها من تاريخ 1 / 7 / 1441 هـ، الموافق 25 / 2 / 2020 م، حتى تاريخ 1 / 10 / 1441 هـ، الموافق 24 / 5 / 2020 م ولمدة ثلاثة أشهر إضافية مجانا، وشمل ذلـك المقيمين من أصحاب المهن التجارية الموجودين داخل المملكة الذين لم تستغل تأشيراتهم خلال مدة تعليق الـدخول والخروج من وإلى المملكة عبر المنافذ.
القرارات الإنسانية الخارجية:
كشفت أزمة كورونا عن البعد القيمي والأخلاقي والإنساني الذي يطغى على علاقات المملكة بمحيطيها ــ الإقليمي والدولي ــ ويستطيع المتابع أن يرصد نماذج للمواقف الإنسانية التي وقفتها المملكة تجاه العالم الخارجي، ومنها:
الحرص على دعم منظمة الصحة العالمية:
حرصت المملكة على أن تكون في مقدمة الدول المقدمة للدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية، لتتمكن من مواصلة دورها في توعية شعوب العالم ومؤسساته الصحية بمخاطر الفيروس ومظاهر الإصابة به وأساليب مكافحته والحد من مخاطره، منطلقة في ذلك من مبادئ التعاون ونشر الخير وقيم السلام والاعتدال، ومن دورها القيادي والمحوري ومسؤولياتها الكبيرة تجاه العالم بحكم رئاستها لقمة العشرين العالمية؛ ففي 14 رحب 1441هـ، الموافق 9 مارس 2020هـ، بثت وكالة الأنباء السعودية بيانًا جاء فيه: «استجابة للنداء العاجل الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية لجميع الدول، والرامي إلى تكثيف الجهود من أجل اتخاذ إجراءات عالمية لمحاربته، قامت بتقديم دعم مالي قدره عشرة ملايين دولار أميركي لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد ــ 19)».
وتعليقًا على هذا الموقف الإنساني النبيل صرح معالي المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة لوكالة الأنباء السعودية بالقول: «إن هذا التوجيه السامي يجسد الدور الإنساني النبيل للمملكة العربية السعودية، ويعكس حرصها على تسخير إمكاناتها ومواردها في خدمة القضايا الإنسانية، بالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظماتها والمجتمع الدولي لتحقيق كل ما فيه خير للبشرية».
كما أعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس ـــ في 15 رجب 1441 هـ الموافق 10 مارس 2020 م ـــ عن عميق شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله)، بتقديم مبلغ عشرة ملايين دولار أمريكي للمنظمة لمكافحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)؛ ومساعدة الدول ذات الأنظمة الصحية الضعيفة.
تقديم المساعدات الإنسانية للدول المتضررة:
قدمت المملكة نموذجا إنسانيًا رائعًا في تعاطفها مع الشعوب المتضررة من انتشار الفيروس، حيث بادرت إلى تقديم الدعم المعنوي والمادي إلى الشعب الصيني الأكثر تضررًا من حيث عدد المصابين؛ وتمثل الدعم المعنوي في الاتصال الهاتفي الذي أجراه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله) في السادس من شهر فبراير 2020م بفخامة الرئيس الصيني (شي جين)، ليعرب لفخامته عن مشاركة السعودية للصين مشاعر الألم، نتيجة تفشي فيروس كورونا، مقدمًا تعازيه والشعب السعودي لأسر المتوفين، وتمنياته للمصابين بالشفاء العاجل، مشيراً إلى ثقة المملكة في قدرة الحكومة الصينية في التعامل مع آثار هذا الفيروس.
أما الدعم المادي فتمثل في تقديم مساعدات عينية للصين عن طريق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وصل بعضها عند بداية الأزمة في شهر جمادى الثانية 1441هـ/ فبراير 2020م، فيما وصلت دفعة جديدة من المساعدات إلى مدينة ووهان الصينية ــ في 15 رجب 1441 هـ الموافق 10 مارس 2020 م ــ وكانت تشتمل على (60) جهازًا للأشعة الصوتية، و (30) جهاز تنفس صناعي، و(89) جهازًا لصدمات القلب، و(200) مضخة حقن وريدية، و(277 )جهازًا لمراقبة المرضى، و(500) مضحة محاليل وريدية، و(3) أجهزة لغسيل الكلى؛ إسهامًا من المملكة لمساعدة الصين على تجاوز آثار فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19).
كما وقّع المركز ــ بحضور السفير الصيني لدى المملكة ــ ستة عقود لتأمين أجهزة ومستلزمات طبية متنوعة لمكافحة الوباء في جمهورية الصين الشعبية؛ تأكيدًا للدور الإنساني الريادي للمملكة في رفع المعاناة الإنسانية عن جميع الشعوب المتضررة والمحتاجة في أنحاء العالم. وقد تزامن هذا الموقف الإنساني مع الاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيس العلاقة بين المملكة العربية السعودية ودولة الصين، ما جعل السفير الصيني بالمملكة يصرح بالقول: “إن الاحتفال بتلك الذكرى قد بدئ بالتضامن بين الشعبين والحكومتين لمكافحة فيروس كورونا المستجد”.
وقد عبر الرئيس الصيني عن شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين على اهتمامه ودعمه القوي لمكافحة هذا الفيروس، مؤكدًا أن لدى بلاده الخبرة الكافية للتعامل مع هذا الوباء ومعالجة آثاره.
ولم يقتصر دعم المملكة على الصين، بل امتد الدعم للدول الصديقة في العالمَين العربي والإسلامي، وإعانة محتاجيها، حيث دشن سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الأردن نايف بن بندر السديري مساعدات المملكة للشعب الفلسطيني الشقيق؛ لمواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد ـ19) بقيمة تزيد على (10)ملايين ريال سعودي، تتضمن (12) بندًا من الأجهزة والمستلزمات الطبية، تم التعاقد على توريدها من قِبَل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية من أوروبا والصين والبعض الآخر من المملكة، لتدعيم إمكانات وزارة الصحة الفلسطينية لحماية الشعب الفلسطيني الشقيق، والحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. كما دشنت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ممثلة بمكتب الدعوة والإرشاد بسفارة المملكة العربية السعودية لدى باكستان، برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (يحفظه الله)، لتفطير الصائمين في باكستان لعام 1441هـ، بمقر مكتب الدعوة في إسلام آباد لبرنامج تفطير الصائمين، وهو جزء من المشاريع التي وجّه (يحفظه الله) بإقامتها في شهر رمضان الكريم في عددٍ من الدول، إضافة إلى تدشين سفير خادم الحرمين الشريفين في إندونيسيا عصام عابد الثقفي في العاصمة جاكرتا بمقر الملحقية الدينية، مشروع خادم الحرمين الشريفين لإفطار الصائمين (السلال التموينية الغذائية الرمضانية) التي تم توزيعها باسم خادم الحرمين الشريفين، حرصًا منه (يحفظه الله) على تعاهد إخوانه المسلمين في دول العالم الإسلامي بهذا الشهر الفضيل، ومشاركتهم أجر صومهم من خلال هذا البرنامج المبارك.
وفي هذا السياق جاء تقدم المملكة مساعدات إنسانية عاجلة لمواجهة آثار الانفجار الذي تم في مرفأ بيروت ـ في 15 ذو الحجة 1441 هـ الموافق 05 أغسطس 2020م ــ حيث سيرت المملكة جسرًا جويًا إغاثيًا على عدة مراحل، وكانت أولى طلائعه طائرتين تحملان (120) طناً من الأدوية والأجهزة والمحاليل والمستلزمات الطبية والإسعافية وغيرها من المواد الإغاثية، وواصل هذا الجسر عمله في تقديم المساعدات الضرورية، في مشهد يعكس ملامح الدور المحوري الذي تلعبه المملكة على مستوى العالم في تقديم الدعم للمحتاجين أينما كانوا بكل حيادية.
الدعم الكامل للحراك العلمي للتوصل إلى لقاح:
أطلقت المملكة مبادرة لتوفير ثمانية مليارات دولار، وذلك لسد الفجوة التمويلية اللازمة لإنتاج اللقاحات. فالعالم ينتظر الآن أي بصيص أمل من أي دولة كانت، عن لقاح أو مصل يقي البشرية شرور كورونا، ويوفر للأجبال القادمة حصانة منه ومن غيره من الأوبئة التي قد تظهر بصورة أو بأخرى. هذا التحرك، لا بد أن يأخذ الأولوية على الساحة الدولية، لأن كل شيء بات عالقا بتطور الوباء الخطير. ولا يمكن الحديث عن المستقبل قبل أن تتم محاصرة كورونا، أو على الأقل احتواء الفيروس. وعلى هذا الأساس، بات أمر إنتاج لقاح له مسألة محورية، إلى درجة أن جرب بعض الدول لقاحات لأمراض أخرى على مصابين بكورونا نتيجة عجز العالم حتى الآن عن الوصول إلى لقاح مناسب ومطلوب على الساحة العالمية كلها.
إعلان وقف إطلاق نار شامل في اليمن لمدة أسبوعين:
في 17 شعبان 1441هـ، الموافق 10/4/ 2020م أعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن ، الذي تقوده المملكة العربية السعودية عن وقف إطلاق نار شامل في اليمن لمدة أسبوعين قابلة للتمديد وذلك لمواجهة تبعات انتشار فايروس كورونا، وتأكيدًا لحرصه على تهيئة الظروف الملائمة لاستئناف العملية السياسية بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل شامل ، طالما دعت إليه المملكة تجاوبًا مع الجهود الأممية ، في الوقت الذي تواصل فيه بذلها الإنساني الإغاثي للشعب اليمني دون تمييز ، فيما تتمادى ميليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران في مراوغاتها. وقوبل قرار وقف إطلاق النار حينها بترحيب دولي واسع ، مثمناً حرص تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة وجهودها السياسية والإنسانية الساعية إلى سلامة الشعب اليمني من مخاطر تفشي الجائحة ومن أجل تحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد العربي الشقيق.
خاتمة
بعد هذا العرض لأبرز الإنجازات التي تحققت في مختلف المجالات، على يدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز (يحفظهما الله)، خلال العام الماضي من هذا العهد الزاهر، لا يسع المتابع إلا أن يغبط الشعب السعودي على قيادته الرشيدة التي لم تدخر وسعًا في تحقيق الأمن الصحي والاقتصادي والاجتماعي لمواطنيها والمقيمين على أراضيها من شعوب الدول الشقيقة والصديقة، ليس في أوقات الكوارث والأزمات والمحن فحسب، بل في جميع الأوقات؛ كما يغبط الدول والشعوب العربية والإسلامية أن اتخذ منها دولة جعلت القيم والمبادئ الإسلامية السامية، والأخلاقيات الإنسانية الراقية منطلقًا لسياستها الداخلية والخارجية، ومنهجًا ودليلًا إرشاديًا لها خلال توليها لرئاسة العالم وتدبير شؤونه عبر قمة العشرين، لتنفي ــ عمليًا وواقعيًا ــ ما يُنعت به الإسلام والمسلمون ــ زورًا وبهتانًا ــ بالعنف والإرهاب، لتسجل بمداد من نور على صفحات التاريخ أنها حقًا دولة القيم، التي سما بها قادتها إلى القمم.
الهوامش
(1) تأسست مجموعة العشرين عام 1999م، وهي تتكون حاليًا من 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ــ ما يجعل تسميتها بدول العشرين غير دقيق ــ وتعد هذه الدول هي أغنى دول العالم وأقواها اقتصادًا، حيث يتجاوز مجموع الناتج المحلي لهذه الدول 70% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم، وتسيطر في الواقع على 85 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، وتضم دولا محورية في الميادين السياسية والاقتصادية والتنموية كلها؛ وبالتالي تمثل مجموعة العشرين الثقل الأكبر للاقتصاد والسياسة العالميين. وتم التحاق المملكة بمجموعة العشرين منذ العام 2008م، نظرًا إلى أهميتها الاقتصادية كقوة فعالة في سوق الطاقة العالمي؛ وكانت حينها في المرتبة العاشرة من حيث قيمة الثروة السيادية في العالم ولديها ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم.
(2) خلال قمة (كان) الفرنسية، المنعقدة في 2011م، اتفق قادة دول القمة على الآلية التي ستتم من خلالها رئاسة المجموعة، وتمثلت تلك الآلية في التناوب بشكل متتال بناء على توزيع الدول الأعضاء على خمس مجموعات إقليمية. وتضم المجموعة الإقليمية الأولى: الصين، إندونيسيا، اليابان، وكوريا الجنوبية؛ وتضم المجموعة الإقليمية الثانية: فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، والمملكة المتحدة؛ وتضم المجموعة الثالثة: الأرجنتين، البرازيل والمكسيك، أما المجموعة الرابعة فتضم: الهند، روسيا، جنوب إفريقيا، وتركيا؛ في حين تضم المجموعة الإقليمية الخامسة: السعودية أمريكا، أستراليا وكندا. وتمت إقامة قمة 2016م في الصين وهي من دول المجموعة الأولى، ثم انتقلت إلى ألمانيا وهي من دول المجموعة الثانية في 2017م، ثم إلى الأرجنتين في 2018م وهي من دول المجموعة الإقليمية الثالثة، ثم إلى الهند من دول المجموعة الرابعة في 2019م، لكنها اعتذرت عنها فاستضافت اليابان القمة بدلا عنها، ثم انتقلت الرئاسة للمملكة في 2020م، وهي من دول المجموعة الإقليمية الخامسة، وستنتقل الرئاسة بعد ذلك من المملكة لإيطاليا لتتولى رئاسة قمة 2021م.
(3) تُعد هذه المشاركة الأولى من نوعها لقادة وكالات الفضاء في مجموعة العشرين، لمناقشة مجال كبير للاستثمار يعول عليه كثيرًا في مستقبل الاقتصاد العالمي، إضافة إلى ما يمثله اجتماعهم ــ الذي نبعت فكرته من المملكة ــ منصة تمهد للمرة الأولى لتكامل أنشطة الوكالات الدولية وتعاونها لتعظيم الفوائد الإنسانية من الاستخدامات السلمية و العلمية للفضاء، وهو ما يؤكد دور المملكة السياسي والاقتصادي والعلمي والتزامها بالتنمية والسلام الدوليين.
(4) وجهت المملكة الدعوات إلى كل من: المملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية سنغافورة، والمملكة الإسبانية، والاتحاد السويسري، وكذلك جمهورية فيتنام بصفتها رئيسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وجمهورية جنوب إفريقيا بصفتها رئيسة الاتحاد الإفريقي، والإمارات العربية المتحدة بصفتها رئيسة مجلس التعاون الخليجي، وجمهورية السنغال بصفتها رئيسة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد)؛ كما وجهت الدعوة لبعض المنظمات الإقليمية ــ كصندوق النقد العربي والبنك الإسلامي للتنمية ــ والمنظمات الدولية: كمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، ومجلس الاستقرار المالي، ومنظمة العمل الدولية، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والأمم المتحدة، ومجموعة البنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية.
(5) كان لهذا الاجتماع دوره الإيجابي في طمأنة دول العالم حينها بإمكانية تجاوز الآثار الاقتصادية للأزمة بسلام، خصوصًا وأن المملكة لم تقصر جدول أعمال هذا الاجتماع على دول مجموعة العشرين، وإنما كان لدول العالم نصيب من الاهتمام، ظهر في التزام مجموعة العشرين بدفع التعاون الاقتصادي الدولي قدمًا، والعمل على تعافي الاقتصاد العالمي، وجعله شاملًا ومستدامًا ومتينًا.
(6) تعد (موهبة) ـ التي تم تأسيسها قبل 20 عامًا ـ المؤسسة الأولى عالميًا في مجال رعاية واكتشاف الموهوبين؛ حيث تجاوز عدد المستفيدين منها 161 ألف طالب وطالبة، وحققت في السنوات العشر الأخيرة نجاحات دولية غير مسبوقة على صعيد الفوز بجوائز عالمية لطلبتها، بلغت 396 جائزة دولية في مختلف المسابقات العالمية.
(7) بدأت الإجراءات الاحترازية الصارمة في المملكة يوم 27 فبراير 2020م، وتم اكتشاف أول إصابة بالفيروس يوم 2 مارس 2020م ، وكانت لمواطن سعودي قادم من دولة البحرين، وأثناء تواجده هناك قام بزيارة إيران وهناك أصيب بالفيروس، ولكنه لم يعلم السلطات بأمر زيارته لإيران، وقد تسبب هذا المواطن وغيره من سكان محافظة القطيف ــ التي تقطنها أكثرية شيعية ــ ممن سافروا سرًا إلى إيران في انتشار الفيروس بين العديد من سكان المحافظة، مما اضطر الجهات المختصة بإدارة الأزمة إلى إغلاق المحافظة أمام حركة الدخول والخروج، وإيقاف العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة، باستثناء المرافق الأساسية.
(8) وقد تتابعت بقية المراحل على النحو التالي: المرحلة الثانية: وسمح فيها بأداء العمرة والزيارة والصلوات للمواطنين والمقيمين من داخل المملكة، بداية من يوم الأحد 1 ربيع الأول 1442هـ الموافق 18 أكتوبر 2020م، وذلك بنسبة 75% (15 ألف معتمر/اليوم، 40 ألف مصلٍ/اليوم) من الطاقة الاستيعابية التي تراعي الإجراءات الاحترازية الصحية للمسجد الحرام، وبنسبة 75% كذلك من الطاقة الاستيعابية التي تراعي الإجراءات الاحترازية الصحية للروضة الشريفة في المسجد النبوي. المرحلة الثالثة: وسمح فيها بأداء العمرة والزيارة والصلوات للمواطنين والمقيمين من داخل المملكة ومن خارجها، بداية من يوم الأحد 15 ربيع الأول 1442 هـ الموافق 1 نوفمبر 2020م، حتى الإعلان الرسمي عن انتهاء جائحة كورونا أو تلاشي الخطر، وذلك بنسبة 100% (20 ألف معتمر/اليوم، 60 ألف مصلٍ/اليوم) من الطاقة الاستيعابية التي تراعي الإجراءات الاحترازية الصحية للمسجد الحرام، وبنسبة 100% كذلك من الطاقة الاستيعابية التي تراعي الإجراءات الاحترازية الصحية للمسجد النبوي، ويكون قدوم المعتمرين والزوار من خارج المملكة بشكلٍ تدريجي، ومن الدول التي تقرر وزارة الصحة عدم وجود مخاطر صحية فيها تتعلق بجائحة كورونا. المرحلة الرابعة: وسوف يسمح فيها بأداء العمرة والزيارة والصلوات للمواطنين والمقيمين من داخل المملكة ومن خارجها، بنسبة 100% من الطاقة الاستيعابية الطبيعية للمسجد الحرام والمسجد النبوي، وذلك عندما تقرر الجهة المختصة زوال مخاطر الجائحة. وأوضحت الجهات المختصة أن المراحل المعلن عنها في هذا البيان ستخضع للتقييم بشكل مستمر، وبحسب مستجدات الجائحة.
(9) (أوبك +) أو (أوبك بلس) هو تحالف غير سمي تم التوقيع عليه بتاريخ 10 ديسمبر عام 2016م بين دول منظمة أوبك ـ التي تضم 14 دولة ـ وبين الدول المنتجة للنفط من خارج المنظمة ـ وعددها عشر دول تتقدمهم روسيا ـ ليبلغ عدد المنتجين (24) دولة تنتج نصف كمية النفط العالمي. وكان الهدف من هذا التحالف هو الحد من المعروض من النفط في الأسواق لمواجهة انهيار أسعار النفط الخام آنذاك.
(10) صرح وزير الطاقة الروسي (ألكسندر نوفاك) حينها بتصريحات غير صحيحة أدت إلى بث القلق والبلبلة والارتباك على مختلف الأصعدة، حيث ادعى أن المملكة رفضت تمديد اتفاق أوبك بلس وانسحبت منه، إلى جانب اتخاذها خطوات أخرى قيل إنها أثرت سلبا على السوق البترولية؛ وقد رد وزير الطاقة السعودي صاحب السمو الملـكي الأمير (عبدالـعزيز بن سلـمان بن عبدالـعزيز) على تلك الادعاءات، مؤكدًا أن ما صرح وزير الطاقة الروسي غير صحيح ومناف للحقيقة جملة وتفصيلًا، فسياسة المملكة البترولية المتبعة تقضي بالـعمل علـى توازن الأسواق واستقرارها بما يخدم مصالـح المنتجين والمستهلكين علـى حد سواء، وقد بذلت المملكة جهودا كبيرة مع دول (أوبك+) للحد من وجود فائض في السوق البترولية ناتج عن انخفاض نمو الاقتصاد العالمي، إلا أن هذا الطرح ــ الذي اقترحته المملكة ووافقت عليه 22 دولـة ــ لم يلق ، وبكل أسف، قبولًا لدى الجانب الروسي، وترتب عليه عدم الاتفاق.
(11) تم التوصل لهذا الميثاق بين دول منظمة (أوبك) بقيادة المملكة، والدول المنتجة خارجها بقيادة روسيا، في شهر يوليو عام 2019م، خلال اجتماع المجموعتين في فيينا؛ وتم التوقيع عليه في 14 أكتوبر 2019م أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة العربية السعودية.
(12) اتفقت الدول المشاركة بالاجتماع على ما يلي: 1. إعادة التأكيد على إطار العمل الخاص بإعلان التعاون، والذي تم التوقيع عليه بتاريخ 10 ديسمبر 2016، وأعيد التصديق عليه في الاجتماعات اللاحقة؛ بالإضافة إلى ميثاق التعاون، الذي تم التوقيع عليه بتاريخ 2 يوليو 2019؛ 2. إجراء تخفيضات على إنتاجها الإجمالي من خام النفط بمقدار 10.0 مليون برميل يومياً، بدءًا من 1 مايو 2020، ولمدة تبلغ شهرين تنتهي في 30 يونيو 2020م. وخلال مدة الأشهر الستة التالية، بداية من 1 يوليو 2020م إلى 31 ديسمبر 2020م، سيكون مقدار التخفيض الإجمالي المتفق عليه هو 8.0 مليون برميل يوميًا ويتبع ذلك تخفيض قدره 6.0 مليون برميل يوميًا لمدة ستة عشر شهرًا تبدأ من 1 يناير 2021م وحتى 30 أبريل 2022م. والأساس المرجعي لحساب التعديلات هو إنتاج النفط لشهر أكتوبر 2018م، فيما عدا المملكة العربية السعودية والاتحاد الروسي، فإن الأساس المرجعي لكل منهما هو 11.0 مليون برميل يوميًا. وسيكون القرار الذي تم التوقيع عليه ساري المفعول حتى 30 أبريل 2022م؛ ومع ذلك، فسوف يتم النظر في إمكانية تمديد القرار في شهر ديسمبر 2021م. 3. دعوة جميع الدول المنتجة الكبرى للمساهمة في الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في السوق. 4. إعادة التأكيد على دور اللجنة الوزارية المشتركة لمراقبة اتفاق خفض الإنتاج، وتمديد التفويض الخاص بها، وعضويتها، لكي تقوم بالمراجعة الدقيقة لأحوال السوق العامة، ولمستويات إنتاج النفط، ومستوى الالتزام بإعلان التعاون، وبهذا البيان، يدعمها في ذلك كل من اللجنة الفنية المشتركة وأمانة أوبك. 5. إعادة التأكيد على أن مراقبة الالتزام بإعلان التعاون سيجري تطبيقه على إنتاج خام النفط، بناءً على المعلومات المستمدة من المصادر الثانوية، وفقًا للمنهجية المطبقة لدى الدول الأعضاء في منظمة أوبك. 6. الاجتماع في 10 يونيو 2020م عبر تقنية “ويبينار” لتحديد الإجراءات الإضافية التي قد تكون مطلوبة لتحقيق التوازن في الأسواق.
وتم الاتفاق على ما سبق بين الدول الأعضاء في أوبك والدول المنتجة للنفط من خارجها والمشاركة في إعلان التعاون، باستثناء المكسيك، ولهذا، فالاتفاق مشروط بموافقة المكسيك. وقد وافقت المكسيك ـــ بعد التفاهم مع الولايات المتحدة ـــ على تخفيض إنتاجها، ما أدى إلى تنفيذ الاتفاق.
(13) صرح مصدر مسؤول في هيئة الرقابة ومكافحة الـفساد لوسائل الإعلام عن صدور أحكام ابتدائية لـعدد من القضايا، وكان أبرزها القبض على قاض بالمحكمة العامة بإحدى مناطق المملكة بالجرم المشهود، وتوجيه الاتهام إليه بالرشوة وبإحالته للمحكمة المختصة صدر بحقه حكم يقضي بسجنه أربع سنوات مع تغريمه مبالغ مالية بلغت في مجملها مائة وثلاثين ألف ريال، وسجن أحد المواطنين (وسيط) خمسة أشهر وغرامة مالية تبلغ عشرين ألف ريال؛ كما أصدرت المحكمة المختصة حكمًا يقضي بسجن أحد قضاة الاستئناف بإحدى المحاكم أربع سنوات مع تغريمه مائة ألف ريال، لاستغلاله نفوذه الوظيفي واستلامه مبالغ مالية (رشوة)، كما حكم بسجن أحد المواطنين (راش) لمدة أربع سنوات مع تغريمه مائة ألف ريال. وفي قضية ثالثة تمثلت في قيام أحد المواطنين بإيهام اثنين من المقيمين بإمكانية إلـغاء عقوبة الإبعاد الصادرة بحقهما مقابل مبلغ مالي وقدره ثمانمائة ألف ريال، وبتوجيه الاتهام لهم بدفع مبلغ مالي على سبيل الرشوة، وجريمة غسل الأموال، والتستر التجاري، صدرت بحقهم أحكام تقضي بسجن المواطن سنتين وسجن المقيمين وكفيلهما سنتين ونصف السنة وتغريم كل واحد منهم عشرين ألـف ريال ومصادرة المبلغ المضبوط وقدره سبعمائة وتسعة وتسعون ألفا وخمسمائة ريال، مع إبعاد المقيمين عن البلاد بعد انتهاء محكوميتهما.